الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 128 ] ( nindex.php?page=treesubj&link=1045_1951ولا يصلى على ميت في مسجد جماعة ) لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=64929من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له } [ ص: 129 ] ولأنه بني لأداء المكتوبات ، ولأنه يحتمل تلويث المسجد ، وفيما إذا كان الميت خارج المسجد اختلاف المشايخ رحمهم الله .
( قوله ولا يصلى على ميت في مسجد جماعة ) في الخلاصة مكروه وسواء كان الميت والقوم في المسجد ، أو كان الميت خارج المسجد والقوم في المسجد ، أو كان الإمام مع بعض القوم خارج المسجد والقوم الباقون في المسجد ، أو الميت في المسجد والإمام والقوم خارج المسجد . هذا في الفتاوى الصغرى . قال : هو المختار خلافا لما أورده النسفي رحمه الله ا هـ .
وهذا الإطلاق في الكراهة بناء على أن المسجد إنما بني للصلاة المكتوبة وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم .
وقيل لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد ، وهو بناء على أن الكراهة لاحتمال تلويث المسجد ، والأول هو الأوفق لإطلاق الحديث الذي يستدل به المصنف ، ثم هي كراهة تحريم أو تنزيه ؟ روايتان ، ويظهر لي أن الأولى كونها تنزيهية ، إذ الحديث ليس هو نهيا غير مصروف ولا قرن الفعل بوعيد بظني بل سلب الأجر ، وسلب الأجر لا يستلزم ثبوت استحقاق العقاب لجواز الإباحة . وقد يقال : إن الصلاة نفسها سبب موضوع للثواب فسلب الثواب مع فعلها لا يكون إلا باعتبار ما يقترن بها من إثم يقاوم ذلك ، وفيه نظر لا يخفى ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=36632من صلى على جنازة } ) أخرج أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=64872من صلى على ميت في المسجد فلا أجر له } وروي { nindex.php?page=hadith&LINKID=82751فلا شيء له } ورواية { nindex.php?page=hadith&LINKID=82752فلا شيء عليه } لا تعارض المشهور ، ومولى التوأمة ثقة لكنه اختلط في آخر عمره ، أسند nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي إلى ابن معين أنه قال ثقة لكنه اختلط قبل موته ، فمن سمع منه قبل ذلك فهو ثبت حجة ، وكلهم على أن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب راوي هذا الحديث عنه سمع منه قبل الاختلاط فوجب قبوله ، بخلاف سفيان وغيره .
وما في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم [ ص: 129 ] { nindex.php?page=hadith&LINKID=82753لما توفي nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه ، فأنكروا ذلك عليها فقالت : والله لقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل وأخيه } قلنا : أولا واقعة حال لا عموم لها فيجوز كون ذلك كان لضرورة كونه كان معتكفا ، ولو سلم عدمها فإنكارهم وهم الصحابة والتابعون دليل على أنه استقر بعد ذلك على تركه ، وما قيل لو كان عند nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة علم هذا الخبر لرواه ولم يسكت المدفوع بأن غاية ما في سكوته مع علمه كونه سوغ هو وغيره الاجتهاد ، والإنكار الذي يجب عدم السكوت معه هو المنكر العاصي من قام به لا الفصول المجتهد فيها ، وهم رضي الله عنهم لم يكونوا أهل لجاج خصوصا مع من هو أهل الاجتهاد .
واعلم أن الخلاف إن كان في السنة هو إدخاله المسجد أو لا فلا شك في بطلان قولهم ، ودليلهم لا يوجبه لأنه قد توفي خلق من المسلمين بالمدينة ، فلو كان المسنون الأفضل إدخالهم أدخلهم ، ولو كان كذلك لنقل كتوجه من تخلف عنه من الصحابة إلى نقل أوضاع الدين في الأمور خصوصا الأمور التي يحتاج إلى ملابستها ألبتة ، ومما يقطع بعدم مسنونيته إنكارهم ، وتخصيصها رضي الله عنها في الرواية ابني بيضاء ، إذ لو كان سنة في كل ميت ذلك كان هذا مستقرا عندهم لا ينكرونه لأنهم كانوا حينئذ يتوارثونه ، ولقالت : كان صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز في المسجد ; وإن كان في الإباحة وعدمها فعندهم مباح وعندنا مكروه ، فعلى تقدير كراهة التحريم يكون الحق عدمها كما ذكرنا ، وعلى كراهة التنزيه كما اخترناه فقد لا يلزم الخلاف لأن مرجع التنزيهية إلى خلاف الأولى فيجوز أن يقولوا : إنه مباح في المسجد ، وخارج المسجد أفضل فلا خلاف .
ثم ظاهر كلام بعضهم في الاستدلال أن مدعاهم الجواز وأنه خارج المسجد أفضل فلا خلاف حينئذ . وذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ثبت أن أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر صلي عليهما في المسجد ، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما ، وفي تركهم الإنكار دليل على الجواز ، وإن ثبت حديث صالح مولى التوأمة فيتأول على نقصان الأجر ، أو يكون اللام بمعنى " على " كقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وإن أسأتم فلها } انتهى ، فقد صرح بالجواز ونقصان الأجر وهو المفضولية ; ولو أن أحدا منهم ادعى أنه في المسجد أفضل حينئذ يتحقق الخلاف ويندفع بأن الأدلة تفيد خلافه ، فإن صلاته صلى الله عليه وسلم على من سوى ابني بيضاء .
وقوله { لا أجر لمن صلى في المسجد } يفيد سنيتها خارج المسجد ، وكذا المعنى الذي عيناه ، وحديث ابني بيضاء دليل على الجواز في المسجد ، والمروي من صلاتهم على أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما في المسجد ليس صريحا في أنهما أدخلاه .
أما حديث أبي بكر فما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ، ودفن ليلة الثلاثاء وصلي عليه في المسجد " [ ص: 130 ] وهذا بعيد لأنه في سنده إسماعيل الغنوي وهو متروك لا يستلزم إدخاله المسجد لجواز أن يوضع خارجه ويصلي عليه من فيه إذا كان عند بابه موضع لذلك ، وهذا ظاهر فيما أسند nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة قال : رأى أبي رجالا يخرجون من المسجد ليصلوا على جنازة فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ والله ما صلي على أبي إلا في المسجد ، فتأمله . وهو في موطأ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " صلي على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في المسجد " ولو سلم فيجوز كونهم انحطوا إلى الأمر الجائز لكون دفنهم كان بحذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان المسجد محيط به ، وما ذكرناه من الوجه قاطع في أن سنته وطريقته المستمرة لم تكن إدخال الموتى المسجد ، والله سبحانه أعلم .
واعلم أن الصلاة الواحدة كما تكون على ميت واحد تكون على أكثر ، فإذا nindex.php?page=treesubj&link=1056_1055اجتمعت الجنائز إن شاء استأنف لكل ميت صلاة وإن شاء وضع الكل وصلى عليهم صلاة واحدة ، وهو في كيفية وضعهم بالخيار إن شاء وضعهم بالطول سطرا واحدا ويقوم عند أفضلهم ، وإن شاء وضعهم واحدا وراء واحد إلى جهة القبلة .
وترتيبهم بالنسبة إلى الإمام كترتيبهم في صلاتهم خلفه حالة الحياة فيقرب منه الأفضل فالأفضل ويبعد عنه المفضول فالمفضول ، وكل من بعد منه كان إلى جهة القبلة أقرب ، فإذا nindex.php?page=treesubj&link=1055_1056اجتمع رجل وصبي جعل الرجل إلى جهة الإمام والصبي إلى جهة القبلة وراءه ، وإذا كان معهما خنثى جعل خلف الصبي ; فيصف الرجال إلى جهة الإمام ثم الصبيان وراءهم ثم الخناثى ثم النساء ثم المراهقات ، ولو كان الكل رجالا روى nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يوضع أفضلهم وأسنهم مما يلي الإمام ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : أحسن ذلك عندي أن يكون أهل الفضل مما يلي الإمام ولو nindex.php?page=treesubj&link=1056_1055اجتمع حر وعبد فالمشهور تقديم الحر على كل حال .
وروى الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : إن كان العبد أصلح قدم ، ولو اجتمعوا في قبر واحد فوضعهم على عكس هذا فيقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة ، وفي الرجلين يقدم أكثرهما قرآنا وعلما كما فعل صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد من المسلمين . وإذا وضعوا للصلاة واحدا خلف واحد إلى القبلة . قال nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى : يجعل رأس كل واحد أسفل من رأس صاحبه هكذا درجا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : هو حسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه دفنوا هكذا والوضع للصلاة كذلك . قال : وإن وضعوا رأس كل بحذاء رأس الآخر فحسن ، وهذا كله عند التفاوت في الفضل ، فإن لم يقع تفاوت ينبغي أن لا يعدل عن المحاذاة ، nindex.php?page=treesubj&link=1046_1047_1043ولا يشترط في سقوط فرض الصلاة على الميت جماعة : وعن هذا قالوا : لو nindex.php?page=treesubj&link=1051_1335صلى الإمام على طهارة وظهر للمأمومين أنهم كانوا على غير طهارة صحت ، ولا يعيدون للاكتفاء بصلاة الإمام بخلاف العكس
محمد بن يزيد : الحافظ ، الكبير ، الحجة ، المفسر أبو عبد الله بن ماجه ، القزويني ، مصنف " السنن " ، و " التاريخ " و " التفسير " ، وحافظ قزوين في عصره . ولد سنة تسع ومائتين .
وسمع من : علي بن محمد الطنافسي الحافظ ، أكثر عنه ، ومن : جبارة بن المغلس ، وهو من قدماء شيوخه ، ومن : مصعب بن عبد الله [ ص: 278 ] الزبيري ، وسويد بن سعيد ، وعبد الله معاوية الجمحي ، ومحمد بن رمح ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وهشام بن عمار ، ويزيد بن عبد الله اليمامي ، وأبي مصعب الزهري ، وبشر بن معاذ العقدي ، وحميد بن مسعدة ، وأبي حذافة السهمي ، وداود بن رشيد ، وأبي خيثمة ، وعبد الله بن ذكوان المقرئ ، وعبد الله بن عامر بن براد ، وأبي سعيد الأشج ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، وعبد السلام بن عاصم الهسنجاني وعثمان بن أبي شيبة ، وخلق كثير مذكورين في " سننه " وتآليفه .
حدث عنه : محمد بن عيسى الأبهري ، وأبو الطيب أحمد بن روح البغدادي ، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم المديني ، وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان ، وسليمان بن يزيد الفامي ، وآخرون .
قال القاضي أبو يعلى الخليلي : كان أبوه يزيد يعرف بماجه ، وولاؤه لربيعة .
وعن ابن ماجه ، قال : عرضت هذه " السنن " على أبي زرعة الرازي ، فنظر فيه ، وقال : أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع ، أو أكثرها . ثم قال : لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا ، مما في إسناده ضعف ، أو نحو ذا . قلت : قد كان ابن ماجه حافظا ناقدا صادقا ، واسع العلم ، وإنما [ ص: 279 ] غض من رتبة " سننه " ما في الكتاب من المناكير ، وقليل من الموضوعات ، وقول أبي زرعة -إن صح- فإنما عني بثلاثين حديثا ، الأحاديث المطرحة الساقطة ، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة ، فكثيرة ، لعلها نحو الألف .
قال أبو يعلى الخليلي : هو ثقة كبير ، متفق عليه ، محتج به ، له معرفة بالحديث ، وحفظ ، ارتحل إلى العراقين ، ومكة والشام ، ومصر والري لكتب الحديث . وقال الحافظ محمد بن طاهر : رأيت لابن ماجه بمدينة قزوين " تاريخا " على الرجال والأمصار ، إلى عصره ، وفي آخره بخط صاحبه جعفر بن إدريس : مات أبو عبد الله يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان ، وصلى عليه أخوه أبو بكر ، وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله ، وابنه عبد الله .
قلت : مات في رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين وقيل : سنة خمس والأول أصح . وعاش أربعا وستين سنة . وقع لنا رواية " سننه " بإسناد متصل عال ، وفي غضون كتابه أحاديث ، يعلها صاحبه الحافظ أبو الحسن بن القطان . [ ص: 280 ] وقد حدث ببغداد أخوه أبو محمد الحسن بن يزيد بن ماجه القزويني ، في حدود سنة ثمانين ومائتين ، إذ حج عن إسماعيل بن توبة القزويني الحافظ .
سمع منه : الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر .
سمعت كتاب " سنن " ابن ماجه ببعلبك ، من القاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام ومن ذلك بقراءتي نحو الثلث الأول من الكتاب . وحدثني بالكتاب كله عن الشيخ الإمام ، موفق الدين عبد الله بن قدامة ، سماعا في سنة إحدى عشرة وستمائة . وسمعته كله بحلب من أبي سعيد سنقر الزيني بسماعه من الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف ، بسماعهما من أبي زرعة المقدسي ، عن محمد بن الحسين المقومي ، عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب ، عن أبي الحسن القطان ، عنه . وعدد كتب " سنن " ابن ماجه اثنان وثلاثون كتابا .
وقال أبو الحسن القطان : في " السنن " ألف وخمسمائة باب ، وجملة ما فيه أربعة آلاف حديث . فبالإسناد المذكور إلى ابن ماجه ، قال : حدثنا إسماعيل بن حفص ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إذا دخل الميت القبر ، مثلت له الشمس عند غروبها ، [ ص: 281 ] فيجلس يمسح عينيه ، ويقول : دعوني أصلي أخرجه الضياء الحافظ في " المختارة " عن موفق الدين بن قدامة .