ينقسم المد إلى قسمين:
الأول: المد الأصلي.
والثاني: المد الفرعي.
ولكل منهما حد يخصه وحقيقة يتميز بها عن الآخر وإليك الكلام على كل منهما.
الكلام على المد الأصلي "الطبيعي"
ويسمى بالمد الطبيعي أيضا، وهو الذي لا تقوم ذات حرف المد إلا به، ولا يتوقف على سبب من أسباب المد الفرعي الآتية بعد، بل يكفي فيه وجود حرف المد واللين.
وضابطه ألا يقع بعد حرف المد واللين همز ولا سكون نحو: قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون [يوسف: 71] الذي يوسوس [الناس: 5].
وسمي طبيعيا؛ لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حده ولا يزيده عليه، وسمي أصليا؛ لأنه أصل لجميع المدود، وكما يسمى بالطبيعي وبالأصلي يسمى أيضا بالمد الذاتي وبمد الصيغة.
[ ص: 270 ] أما كونه ذاتيا فلأن ذات الحروف لا تقوم إلا به ولا تجتلب بدونه.
وأما كونه مد الصيغة فلأن صيغة حروف المد - أي بنيتها - تمد لكل القراء قدر مدها الطبيعي الذي لا تقوم ذاتها إلا به، ولا توجد بعدمه لابتنائها عليه، وهو مد الصوت بقدر النطق بحركتين، كما سيأتي بيانه.
قال الإمام في الدرر اللوامع: ابن بري
وصيغة الجميع للجميع تمد قدر مدها الطبيعي
اهـأقسام المد الطبيعي
ينقسم المد الطبيعي إلى قسمين:
الأول: المد الطبيعي الكلمي.
والثاني: المد الطبيعي الحرفي.
ولكل منهما حد يخصه وحقيقة يتميز بها عن الآخر، وإليك الكلام على كل منهما.
الكلام على المد الطبيعي الكلمي وأقسامه
المد الطبيعي الكلمي هو ما كان موجودا في كلمة نحو: ينادونك [الحجرات: 4] فسيكفيكهم الله [البقرة: 137] ولأجل هذا سمي كلميا.
وينقسم هذا المد إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون هذا المد ثابتا في الوصل والوقف، ويستوي في ذلك ثبوت حرف المد في خط المصحف الشريف - كما في الأمثلة المتقدمة - أو حذفها منه نحو: يا بني [البقرة: 132] ويا قوم استغفروا ربكم [هود: 52] وما إلى ذلك.
[ ص: 271 ] القسم الثاني: أن يكون ثابتا في الوقف دون الوصل، وهو كثير في التنزيل، وله صور متعددة تدرك بالتأمل.
منها: الوقف على الألف المبدلة من التنوين في الاسم المقصور مطلقا نحو: هدى [لقمان: 3] مصلى [البقرة: 125] غزى [آل عمران : 156] قرى [سبأ: 18] عمى [فصلت: 44] سدى [القيامة: 36] وكذلك الألف المبدلة من التنوين وقفا في الاسم المنصوب نحو: وكيلا [النساء: 81] حسيبا [النساء: 6] حديثا [النساء: 42] قيلا [النساء: 122] وليس منه الوقف على الألف المبدلة من التنوين وقفا في الاسم المنصوب أيضا في نحو: دعاء [البقرة: 171] و نداء [البقرة: 171] بناء [البقرة: 22] غثاء [الأعلى: 5] فهو من قبيل المحمول على مد البدل، وإن كان الحكم فيهما واحدا إلا أنه يخالفه في النوع كما سيأتي.
ومنها: الوقف على حرف المد المحذوف للساكنين وهو كثير في القرآن الكريم، سواء أكان ألفا أم واوا أم ياء.
فالألف: تكون للتثنية وغيرها.
فالتثنية كالوقف على لفظ ذاقا [الأعراف: 22] من ذاقا الشجرة [الأعراف: 22] وعلى ادخلا [النمل: 15] [ ص: 272 ] وقالا [التحريم: 10] من وقيل ادخلا النار [التحريم: 10] وقالا الحمد لله [النمل: 15].
وغير التثنية كالوقف على لفظ "الأقصا وأقصا وطغا" من إلى المسجد الأقصى [الإسراء: 1] وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى [القصص: 20] وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى [يس: 20] إنا لما طغى الماء [الحاقة: 11] وما إلى ذلك.
والواو: نحو الوقف على "تسبوا، وقالوا، وملاقو" من ولا تسبوا الذين [الأنعام: 108] وإذ قالوا اللهم [الأنفال: 32] ملاقو الله [البقرة: 249] وما شابه ذلك.
والياء: نحو الوقف على "حاضري، محلي، مهلكي" من حاضري المسجد الحرام [البقرة: 196] غير محلي الصيد [المائدة: 1] وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [القصص: 59] وسيأتي مزيد بيان على هذه الحروف ونحوها في باب الوقف على أواخر الكلم.
القسم الثالث: أن يكون ثابتا في الوصل دون الوقف وله صور:
منها: صلة هاء الضمير سواء كانت واوا أو ياء كقوله تعالى: إن ربه كان به بصيرا [الانشقاق: 15] أما في حالة الوقف فتحذف الصلة ويوقف بالإسكان بالإجماع.
[ ص: 273 ] ومنها: الياء من نحو: المحسنين [الزمر: 58] والواو من نحو: الراكعون الساجدون [التوبة: 112] والألف من نحو: الثواب [آل عمران : 195] العقاب [المائدة: 98] وهذا كله في حالة الوصل، أما في حالة الوقف فيصير المد من قبيل المد الجائز العارض للسكون أحد أنواع المد الفرعي الآتي ذكره بعد وليس طبيعيا، فتأمل.
الكلام على المد الطبيعي الحرفي
وهو ما كان موجودا في حرف واحد من الحروف الهجائية، وهي حروف مخصوصة، افتتح بها بعض سور التنزيل نحو "طه، يس".
وينحصر هذا المد في خمسة أحرف مجموعة في قول بعضهم "حي طهر" وهي الحاء المهملة والياء المثناة تحت والطاء والهاء والراء.
فالحاء المهملة من كلمة " حم " في سورها السبع.
والياء المثناة تحت من كهيعص [مريم: 1] ومن يس [يس: 1].
والطاء من طه [طه: 1] " طسم " فاتحة الشعراء والقصص طس فاتحة النمل.
والهاء من كهيعص [مريم: 1] ومن طه [طه: 1].
[ ص: 274 ] والراء من " الر " في سورها الخمس، ومن المر فاتحة الرعد، وليس غير هذه الأحرف في التنزيل.
وسمي طبيعيا حرفيا لوجود حرف المد الذي ليس بعده همز ولا سكون في حرف من حروف الهجاء، وهذا المد ثابت في الوصل والوقف دائما بخلاف المد الطبيعي الكلمي في أحواله المتقدمة.
مقدار المد في الطبيعي
أما مقدار مده في جميع أنواعه المتقدمة وصوره المختلفة فهو مد الصوت بقدر حركتين اثنتين فقط لكل القراء بالإجماع، ويستوي في ذلك ما ثبت منه في الوصل والوقف، أو في الوصل دون الوقف، أو في الوقف دون الوصل، ويحرم شرعا النقص عن هذا القدر أو الزيادة عليه، وتعرف الحركة بمقدار حركة الأصبع قبضا أو بسطا بحالة معتدلة لا بالسريعة ولا بالبطيئة، ولا يضبط هذا إلا المشافهة، والإدمان على القراءة، والسماع من أفواه الشيوخ المحققين الآخذين ذلك عن شيوخهم، رزقنا الله تعالى أداء كأدائهم، وسيرا على طريقهم؛ حتى نتلو كتاب الله تلاوة صحيحة ترضيه، ويرضى بها عنا، آمين.
هذا، وقد أشار العلامة الجمزوري إلى ما تقدم ذكره في هذا القسم بقوله في التحفة:
والمد أصلي وفرعي له وسم أولا طبيعيا وهو
ما لا توقف له على سبب ولا بدونه الحروف تجتلب
بل أي حرف غير همز أو سكون جاء بعد مد فالطبيعي يكون
وهنا قد انقضى كلامنا على القسم الأول وهو المد الأصلي، وفيما يلي الكلام على القسم الثاني وهو المد الفرعي، فنقول وبالله التوفيق، ومنه سبحانه نستمد العون.