إن الذين يتلون كتاب الله [29]
قال أحمد بن يحيى : خبر إن يرجون تجارة لن تبور ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [32].
هذه الآية مشكلة لأنه قال جل وعز: "اصطفينا من عبادنا" ثم قال جل وعز: فمنهم ظالم لنفسه وقد كنا ذكرناها إلا أنا نبينها ههنا بغاية البيان وقد تكلم جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فمن أصح ما روي في ذلك ما قرئ على أبي بكر محمد بن جعفر بن الإمام عن عن يوسف بن موسى قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، "فمنهم ظالم لنفسه" قال: الكافر، وقرئ على ابن عباس أحمد بن شعيب عن الحسين بن حبيب عن الفضل بن موسى عن حسين عن يزيد عن عن عكرمة في قول الله تعالى: ابن عباس ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله قال: نجت فرقتان. فهذا قول، ويكون التقدير في العربية "فمنهم" فمن عبادنا "ظالم لنفسه" أي كافر، وقال : أي فاسق، ويكون الضمير الذي في يدخلونها يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم. فأما معنى "الذين اصطفينا من عبادنا" ففيه [ ص: 372 ] قولان: أحدهما أن الذين اصطفوا هم الأنبياء صلوات الله عليهم أي اختيروا للرسالة، وقيل: المعنى الذين اصطفوا لا نزال الكتاب عليهم فهذا عام، وقيل: الضمير في " يدخلونها " [33] الحسن
يعود على الثلاثة الأصناف على أن لا يكون الظالم ههنا كافرا ولا فاسقا، فمن روى عنه هذا القول أعني أن الذين يدخلونها هذه الثلاثة الأصناف عمر وأبو الدرداء وعثمان وابن مسعود وعقبة بن عمرو رضي الله عنهم. ولولا كراهة الإطالة لذكرنا ذلك بأسانيده وإن كانت ليست مثل الأسانيد الأولى في الصحة وهذا القول أيضا صحيح عن وعائشة عبيد بن عمرو وغيرهما من التابعين والتقدير على هذا القول: أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر، والمقتصد: قال وكعب الأحبار : هو الذي يعطي الدنيا حقها، والآخرة حقها فيكون "جنات عدن يدخلونها" عائدا على الجميع على هذا الشرح والتبيين. وفي الآية قول ثالث يكون "الظالم" صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته. فيكون "جنات عدن يدخلونها" الذين سبقونا بالخيرات لا غير. وهذا قول جماعة من أهل النظر قالوا: لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولى. وقد ذكرنا قول العلماء المتقدمين قبل هذا محمد بن يزيد يحلون فيها من أساور من ذهب جمع أسورة، وأسورة جمع سوار وسوار، وقد حكي أنه يقال: اسوار وجمع إسوار أساوير، وقد حكي أن في حرف "أساوير" وحذف الياء من مفاعل هذا [ ص: 373 ] جائز غير أن المعروف أن الأسوار هو الرجل الجيد الرمي من الفرس. (ولؤلؤا) قراءة أهل أبي المدينة. قال : لأن معنى من أساور ومعنى أساور واحد، والخفض قراءة أهل أبو إسحاق الكوفة، وهو أبين في العربية لأنه مخفوض معطوف على مخفوض. وقرأ عاصم الجحدري (جنات عدن يدخلونها) بكسر التاء تكون في موضع جر على البدل من الخيرات، ويجوز أن يكون في موضع نصب على لغة من قال: زيدا ضربته، وزعم بعض أهل النظر أن قوله جل وعز: "يحلون فيها من أساور" للنساء لأن قوله جل وعز: "من عبادنا" مشتمل على الذكور والإناث. وهذا خطأ بين، لأنه لو كان للنساء لكان يحلين ولكن هو للرجال لا غير إلا أنه يجوز أن يحلى به النساء فإذا حلي به النساء فهو لأزواجهن وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [34]
عن قال: النار. وقال ابن عباس سعيد عن قال: كانوا يعملون في الدنيا وينصبون ويلحقهم الحزن، وقال قتادة شمر بن عطية في قول الله جل وعز: وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن قال: هم الطعام. قال: إن ربنا لغفور شكور غفر لهم الذنوب التي عملوها، وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه فعملوه.