ومن أدب الدعاء بسط يديه ، ورفعهما إلى صدره ، ومرادهم وكشفهما أولى ، ومثله رفعهما في التكبير روى أبو داود بإسناد حسن عن مالك بن بشار مرفوعا : { إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها } ورواه أيضا من حديث ابن عباس وهو ضعيف ، وفيه الأمر بمسح الوجه ، وفيه المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما والاستغفار أن نشير بأصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا ، ورفع يديه ، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه وقد رواه الحاكم ولأحمد عن يزيد عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس : { أنه عليه السلام كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه ، وباطنهما مما يلي الأرض } حديث صحيح ، ومراده أحيانا ، لرواية أبي داود ، وعنه { رأيته عليه السلام يدعو هكذا بباطن [ ص: 457 ] كفيه وظاهرهما } وفي الاستسقاء ، وهو ظاهر كلام شيخنا ، أو مراده دعاء الرهبة على ما ذكر ابن عقيل وجماعة أن دعاء الرهبة بظهر الكف ، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ، مع أن بعضهم ذكر فيه وجها ، وأطلق جماعة الرفع فيه ، فظاهره كغيره ، واختاره شيخنا ، وقال صار كفهما نحو السماء لشدة الرفع لا قصدا له وإنما كان بوجه بطنهما مع القصد ، وأنه لو كان قصده فغيره أكثر وأشهر ، قال : ولم يقل أحد ممن يرى رفعهما في القنوت أن يرفع ظهورهما ، بل بطونهما ولأحمد بسند ضعيف عن خلاد بن السائب عن أبيه { أنه عليه السلام كان إذا سأل الله جعل باطن كفيه إليه ، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه } ، والبدأة بحمد الله والثناء عليه .
وقال شيخنا وغيره ، وختمه به والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره ، قال الآجري ووسطه لخبر جابر وسؤاله بأسمائه وصفاته بدعاء جامع مأثور ، قالت عائشة رضي الله عنها { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك } رواه أبو داود بإسناد جيد بتأدب وخشوع وخضوع بعزم ورغبة وحضور قلب ورجاء .
وقال جماعة : لا يستجاب من قلب غافل رواه أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عمر ، ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة ، وفيهما { ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة } ويكون متطهرا مستقبل القبلة ، ويلح ، ويكرره ثلاثا .
وفي الصحيحين { أنه عليه السلام برك على خيل أحمس ورجالها خمسا } ولا يسأم من تكرارها في أوقات ، ولا يعجل .
وفي الصحيحين أو في [ ص: 458 ] الصحيح عنه عليه السلام { يستجاب لأحدكم ما لم يعجل قالوا : وكيف يعجل يا رسول الله ؟ قال يقول قد دعوت فلم أر يستجيب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء بل ينتظر الفرج من الله سبحانه فهو عبادة أيضا } .
روى الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا { سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج } قال سفيان بن عيينة : لم يأمره بالمسألة إلا ليعطي ، وقد روى الترمذي وصححه من حديث عبادة { ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بأثم ، أو قطيعة رحم ، فقال رجل من القوم : إذا نكثر ؟ قال : الله أكثر } .
ولأحمد من حديث أبي سعيد مثله ، وفيه { إما أن يعجلها ، أو يدخرها له في الآخرة ، أو يصرف عنه من السوء مثلها } ويجتنب السجع ، أي قصده ، وسئل ابن عقيل هل يجوز أن يقال في القرآن سجع ؟ فأجاب بالجواز ، كقوله تعالى { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } { ذلك ما كنت منه تحيد } { ذلك يوم الوعيد } وكما في الشمس ، والذاريات ، و " ص " ، قال ابن الصيرفي : لو سكت ابن عقيل عن هذا كان أحسن ، وأجاب قبله بمثله الغزالي ، وسأله صالح عن الاعتداء فقال : يدعو بدعاء معروف ، وظاهر كلام بعضهم يكره الاعتداء في الدعاء ، وحرمه شيخنا ، واحتج بقوله تعالى { إنه لا يحب المعتدين } وبالأخبار فيه ، قال : ويكون [ الاعتداء ] في نفس الطلب ، وفي نفس المطلوب وفي الفصول في آخر [ ص: 459 ] الجمعة الإسرار بالدعاء عقب الصلاة أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإفراط في الدعاء ، وهو يرجع إلى ارتفاع الصوت ، وكثرة الدعاء ، كذا قال ، ويبدأ بنفسه ، قاله بعضهم ، وقال بعضهم يعمم ( م 27 ) وفي الصحيحين من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : رحمة الله علينا وعلى موسى ; لو صبر لرأى العجب } قال : { وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه : رحمة الله علينا وعلى أخي } وفي الترمذي بإسناد صحيح .
وقال حسن صحيح عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه } ، وعن أبي الدرداء مرفوعا { دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به : ولك بمثل ذلك } رواه مسلم .
ولأبي داود { قالت الملائكة آمين ، ولك بمثل ذلك } ، وعن عبد الله بن عمر مرفوعا { أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب } إسناده ضعيف ، رواه أبو داود والترمذي ، وسبق حديث عائشة الذي رواه أبو داود ، وفي السنن { أنه سمع عليا رضي الله عنه يدعو فقال يا علي ، عم ، فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض } ويؤمن المستمع ، وتأمينه في أثناء دعائه وختمه به متجه ، للأخبار ، وذكر شيخنا أيضا ختمه به ويكره رفع بصره ، ذكره في الغنية من الأدب ، [ ص: 460 ] وهو قول شريح وآخرين ، وظاهر كلام جماعة ، واختاره شيخنا في الأجوبة المصرية الأصولية لفعله عليه السلام ( و م ش ) قال : وذكر بعض أصحابنا خلافا بيننا في كراهته ، قال شيخنا وما علمت أحدا استحبه ، كذا قال ، وصح عنه عليه السلام { أنه كان إذا خرج من بيته رفع نظره إلى السماء ودعا بالتعوذ المشهور } وفي جامع القاضي رواية حنبل أنه يستحب في أذان وإقامة رفع وجهه إلى السماء ، وكذا الإشارة بأصبعه في التشهد ، قال وكذا يستحب الإشارة إلى نحو السماء في الدعاء ولمسلم من حديث المقداد { أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني } وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء ، وقال : سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم } رواه الترمذي من رواية إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف ، ويأتي في صلاة الليل خبر ابن عباس في قراءته عليه السلام وهو ينظر إلى السماء .
وقال الآجري فيه وفي الاعتداء في الجهر ورفع اليدين منكر ، لا يجوز ، وشرطه الإخلاص ، قال الآجري واجتناب الحرام ، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب .
وقال شيخنا تبعد إجابته ، إلا مضطرا أو مظلوما ، قال وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده ، وظاهر كلام بعضهم عكسه وانتظار الصلاة يأتي في آخر الجمعة ، ويأتي في أوائل ذكر أهل الزكاة سؤال الغير الدعاء . .
[ ص: 456 ]


