( قوله ومسألة البئر حجط ) أي ضابط حكم مسألة البئر حجط وصورتها فعند جنب انغمس في البئر للدلو أو للتبرد ولا نجاسة على بدنه الرجل والماء نجسان وعند أبي حنيفة الرجل جنب على حاله والماء مطهر على حاله . أبي يوسف
وعند الرجل طاهر والماء طاهر طهور فالجيم من النجس علامة نجاستهما والحاء من الحال أي كلاهما بحاله ، والطاء من الطاهر فرتب حروفه على ترتيب الأئمة فالحرف الأول للإمام الأعظم والثاني للثاني والثالث للثالث وجه قول محمد إن الفرض قد سقط عن بعض الأعضاء بأول الملاقاة ; لأن النية ليست بشرط لسقوط الفرض ، فإذا سقط الفرض صار الماء مستعملا عنده [ ص: 103 ] فيتنجس الماء والرجل باق على جنابته لبقاء الحدث في بقية الأعضاء ، وقيل عنده نجاسة الرجل بنجاسة الماء المستعمل وصحح في شروح الهداية أنه نجس بالجنابة عنده وفائدة الخلاف تظهر في تلاوة القرآن ودخول المسجد إذا تمضمض واستنشق وفي فتاوى أبي حنيفة قاضي خان أن الأظهر أنه يخرج من الجنابة ثم يتنجس بالماء النجس حتى لو تمضمض واستنشق حل له قراءة القرآن ا هـ .
ووجه قول إن الصب سطر لإسقاط الفرض عنده في غير الماء الجاري ، وما هو في حكمه ، ولو يوجد ، فكان الرجل جنبا بحاله ، فإذا لم يسقط الفرض ، ولم يوجد رفع الحدث ، ولا نية القربة لا يصير الماء مستعملا ، فكان بحاله ووجه قول أبي يوسف على ما هو الصحيح عنه إن الصب ليس بشرط عنده ، فكان الرجل طاهرا ولا يصير الماء مستعملا ، وإن أزيل به حدث للضرورة ، وأما على ما خرجه محمد ، فإنه لا يصير الماء مستعملا عنده لفقد نية القربة ، وهي شرط عنده في صيرورته مستعملا وهذه المسألة أخذ منها أبو بكر الرازي الاختلاف في سبب استعمال الماء بين الأصحاب ، وقد تقدم أن أخذه منها غير لازم كما ذكره أبو بكر الرازي شمس الأئمة .
وقال الخبازي في حاشية الهداية قال : رحمه الله كان شيخنا القدوري أبو عبد الله الجرجاني يقول الصحيح عندي من مذهب أصحابنا أن إزالة الحدث توجب استعمال الماء ولا معنى ; لهذا الخلاف إذ لا نص فيه ، وإنما لم يأخذ الماء حكم الاستعمال في مسألة طلب الدلو لمكان الضرورة إذ الحاجة إلى الانغماس في البئر لطلب الدلو مما يتكرر فلو احتاجوا إلى الغسل عند نزح ماء البئر كل مرة لحرجوا حرجا عظيما وصار كالمحدث إذا اغترف الماء بكفه لا يصير مستعملا بلا خلاف ، وإن وجد إسقاط الفرض لمكان الضرورة بخلاف ما إذا أدخل غير اليد فيه صار الماء مستعملا . ا هـ .
وعن أن الرجل طاهر ; لأن الماء لا يعطي له حكم الاستعمال قبل الانفصال من العضو وقال أبي حنيفة الزيلعي والهندي وغيرهما تبعا لصاحب الهداية وهذه الرواية أوفق الروايات أي للقياس وفي فتح القدير وشرح المجمع أنه الرواية المصححة ا هـ .
وتعليلهم هذا يفيد أنه لو لا يخرج عن الجنابة لصيرورة الماء مستعملا قبل الانفصال ، وقد صرح به في السراج الوهاج فعلم بما قررناه أن المذهب المختار في هذه المسألة أن الرجل طاهر ، والماء طاهر غير طهور أما كون الرجل طاهرا على الصحيح فقد علمته وأما كون الماء مستعملا كذلك على الصحيح فقد علمته أيضا مما قدمناه قيدنا أصل المسألة بالجنب ; لأن الطاهر إذا انغمس لطلب الدلو ولم يكن على أعضائه نجاسة لا يصير الماء مستعملا اتفاقا لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة ، وإن انغمس للاغتسال صار مستعملا اتفاقا لوجود إقامة القربة وحكم الحدث حكم الجنابة ذكره في البدائع ، وكذا تمضمض واستنشق داخل البئر قبل انفصاله بعد الانقطاع أما قبل الانقطاع ، وليس على أعضائهما نجاسة ، فإنهما كالطاهر إذا انغمس للتبرد [ ص: 104 ] ; لأنها لا تخرج من الحيض بهذا الوقوع فلا يصير الماء مستعملا كذا في فتاوى حكم الحائض والنفساء إذا نزلا قاضي خان والخلاصة .
وقيدنا بكونه انغمس لطلب الدلو أو للتبرد لأنه لو انغمس بقصد الاغتسال للصلاة قالوا صار الماء مستعملا اتفاقا لوجود إزالة الحدث ونية القربة لكن ينبغي أن لا يزول حدثه عند لما نقلوه عنه أن الصب شرط عنده في غير الماء الجاري ، وما هو في حكمه لإسقاط الفرض ، ولم أر من صرح بهذا وقد علمت فيما قدمناه في الكلام على ماء الفساقي أن قولهم بأن ماء البئر يصير مستعملا عند الكل مبني على قول ضعيف عن أبي يوسف والصحيح من مذهب محمد أن ماء البئر لا يصير مستعملا مطلقا ; لأن المستعمل هو ما تساقط عن الأعضاء ، وهو مغلوب بالنسبة إلى الماء الذي يستعمله فاحفظ هذا وكن على ذكر منه ينفعك إن شاء الله تعالى ثم رأيت بعد هذا محمد العلامة ابن أمير حاج في شرح منية المصلي صرح بما ذكرته .
وقال الماء المستعمل هو الماء الذي لاقى الرجل الذي زال حدثه فيجب نزح جميع الماء على رواية نجاسة الماء المستعمل ولا يجب نزح شيء منها على رواية طهارته بل هو باق على طهوريته ، وقد عرفت أن الرواية الطهارة ، وهي المختارة ا هـ .
فعلى هذا قولهم صار الماء مستعملا معناه صار الماء الملاقي للبدن مستعملا لا أن جميع ماء البئر صار مستعملا وقيدنا بقولنا ليس على أعضائه نجاسة حقيقية ; لأنه لو كان كذلك لتنجس الماء اتفاقا وقيد المسألة في المحيط بقوله ولم يتدلك فيه ولم يبين مفهومه وكذا في الخلاصة والظاهر منه أنه إذا نزل للدلو وتدلك في الماء صار الماء مستعملا اتفاقا ; لأن الدلك فعل منه قائم مقام نية الاغتسال ، فصار كما لو نزل للاغتسال وقيد المسألة بعضهم بأن لا يكون استنجى بالأحجار فمفهومه أنه لو كان مستنجيا بالأحجار تنجس الماء اتفاقا لكن هذا يبتني على أن الحجر في الاستنجاء مخفف لا مطهر .
وفيه خلاف ذكره في التجنيس وذكر أن المختار أنه مخفف لا مطهر وسنذكره إن شاء الله تعالى في موضعه ، فإن قلت لم قال بأن الصب شرط في العضو لا في الثوب ، وما الفرق بينهما قلت : روي عن أبو يوسف روايتان في رواية أن الصب شرط فيهما ، ووجهه أن القياس يأبى التطهير بالغسل ; لأن الماء يتنجس بأول الملاقاة ، وإنما حكمنا بالطهارة ضرورة أن الشرع كلفنا بالتطهير والتكليف يعتمد القدرة وسمي الماء طهورا ، وذلك يقتضي حصول الطهارة به والضرورة تندفع بطريق الصب ، فلا ضرورة إلى طريق آخر مع أن الماء حالة الصب بمنزلة ماء جار ، وفي غير حالة الصب راكد والراكد أضعف من الجاري وفي رواية أن الصب شرط في العضو لا في الثوب ، وهو المشهور عنه ووجهه أن غسل الثياب بطريق الصب لا يتحقق إلا بكلفة ومشقة ; لأنها تغسلها النساء عادة وكل امرأة لا تجد خادما يصب الماء عليها ولا ماء جاريا أبي يوسف
وأما غسل البدن يتحقق بطريق الصب من غير كلفة كذا في النهاية وقال القاضي الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي قال جنب اغتسل في بئر ثم في بئر إلى العشرة : تنجس الآبار كلها وقال أبو يوسف : يخرج من الثالثة طاهرا ثم ينظر إن كان على بدنه عين نجاسة تنجست المياه كلها ، وإن لم يكن عين نجاسة صارت المياه كلها مستعملة ثم بعد الثالثة إن وجدت منه النية يصيره مستعملا ، وإن لم توجد منه النية لا يصير مستعملا عنده ، ولو أنه غسل الثوب النجس في إجانة وعصره ثم في إجانة إلى العشرة ، فإن الثوب يخرج من الثالثة طاهرا والمياه الثلاثة نجسة في قولهم جميعا محمد فرق بين الثوب والبدن فقال ; لأن في الثوب ضرورة ولا ضرورة في البدن ا هـ . وأبو يوسف
ولا يخفى أن مقتضى مذهب من اشتراط الصب أن لا تتنجس المياه كلها عنده لما أن الحدث لم يزل ونية الاغتسال ، وإن وجدت لكن لا اعتبار بها إذا لم يصح الغسل عنده وقد علمت فيما قدمناه عند الكلام على ماء الفساقي أن ما ذكره أبي يوسف الإسبيجابي وغيره من كون ماء الآبار [ ص: 105 ] يصير مستعملا عند مبني على القول الضعيف لا على الصحيح فارجع إليه تجد لك فرجا كبيرا إن شاء الله تعالى ، وقد ظهر لي أن قولهم بنجاسة ماء الآبار عند محمد وقولهم بنجاسة ماء البئر إذا نزل للاغتسال عنده مفرع على رواية عن أبي يوسف أن من أبي يوسف كان الماء نجسا والرجل نجس ، وقد ذكر هذه الرواية عنه نزل في البئر ، وهو جنب الإسبيجابي وذكر هذه الفروع بعدها فالظاهر أنها مفرعة عليها لا على القول المشهور عنه أن الرجل بحاله والماء بحاله والله الهادي للصواب .