قال رحمه الله ( مضمونة ) ; لأن حق كل واحد منهما محترم فيجب عليه ضمان ما أتلف على صاحبه ; لأن الراهن مالك ، وقد تعدى عليه المرتهن فيضمنه والمرتهن حقه لازم محترم وتعلق مثله بالمال فيجعل المالك كالأجنبي في حق الضمان كالعبد الموصى بخدمته إذا أتلفه الورثة ضمنوا قيمته ليشتري به عبدا يقوم مقام الأول ولهذا يمنع المريض من التبرع بأكثر من الثلث ، ثم المرتهن يأخذ الضمان بدينه إن كان من جنس دينه وكان الدين حالا ، وإن كان مؤجلا يحبسه بالدين ، فإذا حل بدينه إن كان من جنس حقه وإلا حبسه بدينه حتى يستوفي دينه ، ولم يتعرض وجناية الراهن والمرتهن على الرهن المؤلف لما قال في المبسوط العبد الرهن قتل رجلا خطأ فهذا لا يخلو إما أن كانت قيمته مثل الدين أو أقل أو أكثر ، فإن كانت قيمته مثل الدين فالراهن والمرتهن يخاطبان بالدفع أو الفداء ; لأن لأحدهما حقيقة ملك وللآخر حق يضاهي حقيقة الملك فانتصبا خصما فاشترط اجتماعهما في خطاب الدفع أو الفداء ، فإن دفعاه بطل الدين ; لأن العبد زال عن ملك الراهن بسبب كان في يد المرتهن ، وفي ضمانه فصار كما لو مات حتف أنفه فيتقرر الاستيفاء . إذا جنى الرهن على الحر الأجنبي
فإن ; لأنه إن اختار الراهن الدفع فقد رام إزالة ملك الراهن بغير رضاه فيمنع من ذلك ، وإن اختار الفداء فالفداء كله على المرتهن ; لأن الفداء لدفع الهلاك عن العبد وأحيا به حقه لتطهيره عن الجناية كاتخاذ الدواء لدفع الهلاك وثمن الدواء عليه ; لأن الهلاك عليه فكذلك الفداء وصار كالعبد المغصوب إذا جنى فالجناية على الغاصب ; لأن الهلاك عليه فكذا هذا ولا يرجع بالفداء على الراهن ; لأنه قضى حقا واجبا عليه ، وإن فداه الراهن كان قضاء بالدين إن بلغ الفداء كل الدين ولا يبقى رهنا ، وإن بلغ بعضه فبقدره ; لأنه غير متبرع في الفداء ; لأن فيه استصلاح ملكه واستخلاص حقه ، فإن العبد مشغول بالجناية والعبد يظهر عن الجناية ويحيى ملكه والمالك لا يوصف بالتبرع في إصلاح ملكه وإحيائه فقد قضى واجبا على المرتهن وهو مضطر فيه فكان له الرجوع عليه كمن أعاره عند رهنه بدينه ، ثم قضى المعير دين المستعير يرجع بما قضى على المستعير ; لأنه يحتاج إلى تخليص ملكه فيطهره عن شغل الرهن فكذا هذا ، فإن هلك في يد المرتهن بعدما فداه الراهن يرد على الراهن الفداء ; لأن الرهن بريء عن الدين بالإيفاء ; لأنه صار موفيا دينه بالفداء ، قال بعض مشايخنا إنه يرد الألف المستوفاة بهلاك الرهن وما وجد بعد الألف لم يستند إلى وقت الرهن ; لأن للفداء حكم الجناية والجناية فعل حقيقي لا يحتمل النقض والإسناد لا يظهر في حق التصرفات التي لا تحتمل النقض فاحتمل فاقتصر الاستيفاء بالهلاك على الحال ، وإن كان الاستيفاء بالهلاك آخرهما فيرد ما استوفاه آخرا وصار كما . اختار أحدهما الدفع وأبى الآخر لا يدفع
لو رهن بالمهر أو ببدل الخلع ، ثم استوفى المرتهن دينه ، ثم هلك الرهن في يده يرد ما قبض ; لأن قضاء المهر يحتمل النقض ، وإن كان سبب وجوب الدين لا يحتمل النقض وهو النكاح والخلع فكذا هذا كله إذا اختار الفداء أو الدفع ، فإن فالفداء أولى ; لأن الذي اختار الدفع متعنت فيه أما الراهن فلأن في الدفع إبطال حق المرتهن في الحبس ولا يزول ملكه عن العبد ويزول ملكه عن الفداء إلى خلف ، فإنه يرجع به على المرتهن [ ص: 309 ] فكان الفداء له أنفع من الدفع والمرتهن بالدفع قصد إلحاق الضرر بالراهن من غير نفع يحصل له ; لأن دينه يسقط في الحالين ، وفي الدفع إزالة ملك الراهن ، وفي الفداء إبقاؤه على ملكه فكان متعنتا ولا عبرة لاختيار المتعنت ، هذا كله إذا كانت قيمة الرهن مثل الدين أو أقل ، فإن كانت أكثر بأن كانت قيمة العبد ألفين والدين ألف ، فإن اختار الفداء فالفداء عليهما نصفين ; لأن نصفه مضمون على المرتهن ونصفه أمانة عنده فيقدر الضمان على المرتهن وتقدر الأمانة على الراهن اعتبارا للبعض بالكل ، فإن فداه الراهن فهو متبرع إن كان الراهن حاضرا ، وإن كان غائبا يرجع على الراهن بنصفه عند اختار أحدهما الفداء والآخر الدفع رحمه الله تعالى وعندهما لا يرجع في الحالين ; لأنه قضى دينا عن غيره بغير أمره وهو غير مضطر فيه ; لأن الراهن يجبر على فداء النصف متى أجاز المرتهن الفداء ولا يصلح ملكه ولا يحيى حقه ; لأنه لا ملك له في العبد ولا حق له في نصف الأمانة ولا كذلك الراهن وله أن للمرتهن في نصف الأمانة حق الحبس والإمساك إن لم يكن مضمونا عليه وهو محتاج إلى إحياء حقه وإصلاحه ، وفي الفداء إحياء حقه من وجه ، فإنه يصل إلى حقه بإمساكه فيكون محتاجا إلى الفداء فلا يوصف بالتبرع فيحتاج إلى الفداء ، ولو أبي حنيفة لم يكن متطوعا اتفاقا وخرج عن الرهن ; لأنه يصلح ملك نفسه ويحيي حقه . فداه الراهن والمرتهن غائب
والمالك في إصلاح ملكه لا يكون متبرعا إلا أن يشاء المرتهن أن يؤدي نصف الفداء ، ولو دفعه الراهن فللمرتهن إن حضر أن يبطل دفعه ويفديه ; لأنه لا ينفرد أحدهما بالدفع لما بينا .