( باب المرابحة والتولية ) .
شروع فيما يتعلق بالثمن من المرابحة والتولية والربا والصرف والبيع بالنسيئة بعد بيان أحكام المبيع ، وقدم المبيع لأصالته كذا في البناية ، وقدمنا أن أنواعه بالنسبة إلى الثمن أربعة هما والمساومة لا التفات فيها إلى الثمن الأول ، والرابع الوضيعة بأنقص من الأول ، ولم يذكرهما لظهورهما ، وهما جائزان لاستجماع شرائط الجواز ، والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع لأن الغبي الذي لا يهتدي إلى التجارة يحتاج إلى أن يعتمد فعل الذكي المهتدي ، ويطيب نفسه بمثل ما اشترى ، وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما ، ولذا كان مبناهما على الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة ، وقد صح أن { النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة ابتاع من أبي بكر رضي الله عنه بعيرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم ولني أحدهما فقال هو لك بغير شيء فقال أما بغير ثمن فلا } قال السهيلي سئل بعض العلماء لم لم يقبلها إلا بالثمن ، وقد أنفق عليه أبو بكر أضعاف ذلك ، وقد دفع إليه حين بنى ثنتي عشرة أوقية حين قال له بعائشة أبو بكر ألا تبني بأهلك فقال لولا الصداق فدفع إليه ثنتي عشرة أوقية وشيئا وهو عشرون درهما فقال لتكون هجرته بنفسه وماله رغبة منه في استكمال فضلها إلى الله ، وأن تكون على أتم الأحوال ، والمرابحة في اللغة كما في الصحاح يقال بعته المتاع ، واشتريته منه مرابحة إذا سميت لكل قدر من الثمن ربحا ا هـ .
وأما التولية في اللغة فقال الشارحون إنها مصدر ولي غيره إذا جعله ، واليا ، وفي القاموس التولية في البيع نقل ما ملكه بالعقد الأول وبالثمن الأول من غير زيادة ، وأما شرعا فقال ( هي ) أي التولية ( بيع بثمن سابق ، والمرابحة به ، وبزيادة ) وأورد عليه الغصب ، وهو ما جاز له بيعه مرابحة ، وتولية على ما ضمن ، وقد غفل إذا ضاع المغصوب عند الغاصب ، وضمنه قيمته ثم وجده الشارح الزيلعي فأورده على عبارة الهداية ، وهي نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع ربح أو لا ، وادعى أن عبارة المؤلف أحسن ، وليس كما زعم لأن مسألة الغصب كما ترد على الهداية باعتبار أنه لا عقد فيها كذلك ترد على الكنز باعتبار أنه لا ثمن فيها فإن أجيب بأن القيمة كالثمن فكذلك يقال إن الغصب ملحق بعقود المعاوضات ، وقد أجاب الشارحون عن الهداية بهذا قالوا ، ولذا صح إقرار المأذون به لما كان إقراره بالمعاوضات جائزا .
وقد صرح في الفتاوى الكبرى بأنه يقال قام علي بكذا ، ويرد على كلا التعريفين ما ملكه بهبة أو إرث أو وصية إذا قومه فله المرابحة على القيمة إذا كان صادقا في التقويم مع أنه لا ثمن ولا عقد ، ولم أر كيف يقول وينبغي أن يقول قيمته كذا ، ويرد عليهما أيضا من مع صدق التعريف عليها ، ويرد أيضا عليهما ما فيه من الإبهام لأن الثمن السابق إما أن يراد عينه أو مثله لا سبيل إلى الأول لأنه صار ملكا للبائع الأول فلا يراد في الثاني ، ولا إلى الثاني لأنه لا يخلو إما أن يراد المثل جنسا أو مقدارا ، والأول ليس بشرط لما في الإيضاح والمحيط أنه اشترى دراهم بدنانير لا يجوز بيع الدراهم مرابحة فإن كان ما اشتراه به له مثل جاز سواء كان الربح من جنس رأس المال من الدراهم أو من الدنانير إذا كان معلوما يجوز الشراء به لأن الكل ثمن ، والثاني [ ص: 117 ] وهو المقدار يقتضي أن لا يضم أجرة القصار والصباغ ونحوهما لأنها ليست بثمن في العقد الأول ، وإذا أريد المثل قدرا ، وادعى أن الأجرة من الثمن الأول عادة كما فعله الشارحون ورد عليه أنها جائزة بعينه إذا كان قد وصل إلى المشتري الثاني ، وما أورده في فتح القدير من إذا باع مرابحة فإن المرابحة لا تجوز على ذلك الثمن ليس بوارد لأنها جائزة إذا بين أنه اشتراه نسيئة كما سيأتي آخر الباب . الشراء بثمن نسيئة
وقد وضعت لكل منهما تعريفا لا يرد عليه شيء إن شاء الله تعالى فقلت : التولية نقل ما ملكه بغير عقد الصلح والهبة بشرط عوض بما يتعين بعين ما قام عليه أو بمثله أو برقمه أو بما قومه به في غير شراء القيمي أو بمثل ما اشترى به من لا تقبل شهادته له من أصوله وفروعه وأحد الزوجين أو مكاتبه أو عبده المأذون أو أحد المتفاوضين من الآخر أو بمثل ما اشترى به مضاربه أو رب المال مع ضم حصة من الربح بزيادة ربح في المرابحة ، وبلا ربح في التولية فخرج ما ملكه في الصلح لابتنائه على الحط والمساهلة بخلاف ما إذا اشتراه من مديونه بالدين ، وهو يشتري بذلك الدين فإنه يجوز كما في الظهيرية ، وما ملكه بالهبة بشرط العوض أيضا كما في الظهيرية ، وخرج بما يتعين ما لا يتعين كما قدمناه ، وقلنا بعين ما قام عليه ، ولم نذكر العقد الأول ولا الثمن السابق ليدخل الغصب ، وما تكلفه على العين ، وليخرج ما فإنه ليس له المرابحة على الثمن الأول كما في النهاية . إذا اشترى دجاجة فباضت عنده عشر بيضات ، ولم ينفق عليها قدر البيض
وقلنا بالعين أو بالمثل من غير اقتصار على أحدهما لجوازها على العين في صورة قدمناها ، وعلى المثل فيما عداها ، ويدخل في المثل مثل الثمن السابق إن كان البيع صحيحا ، وقيمته إن كان فاسدا كذا في المحيط ، وأو في التعريف ليست للإبهام ، وإنما هي للتنويع ، وقلنا أو برقمه ليدخل ما جاز ، ولا يقول قام علي بكذا ، ولا قيمته ، ولا اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب ، وإنما يقول رقمه كذا فأنا أرابح على كذا كما في النهاية ، وقلنا أو بما قومه به ليدخل ما ملكه بإرث ونحوه كما قدمناه ، وقيدنا بغير شراء القيمي لأنه إذا اشترى متاعا ثم رقمه بأكثر من الثمن الأول ثم باعه مرابحة على رقمه لم تجز المرابحة ، والفرق بين القيميين أن في الشراء القيمي له أصل يرجع إليه ، وهو الثمن الأول ، واحتمل أن يكون ما قومه به أزيد في نفس الأمر ، والمرابحة مبنية على الاحتراز عن شبهة الخيانة بخلاف ما إذا ملكه بغير بدل لعدم الثمن الأول يكون ما قومه به مخالفا له ، واحتمال الزيادة في تقويمه لا يعد خيانة لأنه من جهة المشتري ، ولو كان بعض المبيع مشترى ، والبعض غير مشترى فقال في الظهيرية إذا اشترى قيميا وقومه جاز ، وكذا رجل اشترى من آخر ثوبا وبطانة ، وجعلهما جبة ، وجعل حشوها قطنا ورثه أو وهب له ثم حسب الثمن وأجر الخياط ثم قال لغيره قام علي بكذا ، وباعه مرابحة على ذلك جاز كذا في الظهيرية . الرجل يرث الثوب فيبسطه بالقز الذي اشتراه ، وحسب أجر الخياط ، وثمن القز ثم [ ص: 118 ] قال لغيره قام علي بكذا ، وباعه مرابحة على ذلك
وقلنا أو بمثل ما اشترى به من لا تقبل الشهادة له يعني لا بمثل ما اشتراه هو به فإذا اشترى شيئا ممن لا تقبل شهادته له فإنه إنما يرابح بما اشترى بائعه لا بما اشتراه كما ذكره الشارح ، وكذا رب المال إذا اشترى من مضاربه لا يرابح بما اشتراه ، وإنما يرابح بمثل ما اشترى المضارب مع ضم حصة المضارب فقط لأنها كما سيأتي مبنية على الأمانة ، والاحتراز عن شبهة الخيانة ، ولذا قال في الظهيرية إن لا يجوز له المرابحة والتولية حتى يبينه ، والله تعالى أعلم . وهذا التقرير إن شاء الله تعالى من خواص هذا الشرح بحول الله وقوته . من اشترى شيئا ، وعلم أن فيه غبنا