الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4786 11 - حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرنا ابن شهاب سمع سعيد بن المسيب يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أبو عبد الله التيمي اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا ، وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف كان على قضاء بغداد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم أيضا في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره ، وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي الخلال ، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبيد ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني .

                                                                                                                                                                                  قوله : " رد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل " أي لم يأذن له فيه حين استأذن في ذلك ويقال : معنى رد نهى عن التبتل ، وقد ذكرنا معناه الآن .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولو أذن له " أي لو أذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لعثمان بن مظعون لاختصينا من اختصيت إذا فعلت ذلك بنفسك وكان مناسبا أن يقول لو أذن له لتبتلنا فعدل إلى اختصينا إرادة المبالغة أي لو أذن له لبالغنا في التبتل حتى الاختصاء وكان التبتل من شريعة النصارى فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه ليكثر النسل ويدوم الجهاد .

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي : يقال يلزم من جواز التبتل عن النساء جواز الخصاء وهو قطع عضوين بهما قوام النسل ، وفيه ألم عظيم لأنه ربما يفضي إلى الهلاك وهو محرم بالاتفاق ، ثم أجاب بأن ذلك لازم من حيث إن مطلق التبتل يتضمنه فكأن هذا القائل ظن أن التبتل الحقيقي الذي يؤمن معه شهوة النساء وهو الخصاء وأخذ بأكثر ما يقع عليه الاسم .

                                                                                                                                                                                  وقوله : " فيه ألم عظيم " مسلم لكن يصغر في جنب صيانة الدين كقطع اليد للأكلة والكي والبط ونحوها .

                                                                                                                                                                                  وقوله : ربما يفضي إلى الهلاك غير مسلم ; لأن وقوع الهلاك منه نادر وخصاء الحيوان يشهد لذلك ، وأجابالنووي عن ذلك بأن معناه لو أذن في الانقطاع عن النساء وغيرهن من ملاذ الدنيا لاختصينا لدفع شهوة النساء لتمكننا من التبتل قال : وهذا محمول على أنهم كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم ولم يكن ظنهم هذا موافقا فإن الاختصاء في الآدمي حرام مطلقا .

                                                                                                                                                                                  وقال شيخنا زين الدين رحمه الله وفي كل من جوابي القرطبي والنووي نظر بل الجواب الصحيح أنه لو وقع إذن من النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأله عنه عثمان بن مظعون من التبتل لجاز لهم الاختصاء ; لأن استئذان عثمان في التبتل كانت صورته استئذانا في الاختصاء كما هو مبين في حديث عائشة بنت قدامة بن مظعون ، عن أبيها ، عن أخيه عثمان بن مظعون أنه قال : يا رسول الله إنه ليشق علينا العزبة في المغازي أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفر " ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وذكر أيضا أن عثمان بن مظعون وعليا وأبا ذر هموا أن يختصوا ويتبتلوا فنهاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك ونزلت فيهم : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنه قال : يا رسول الله إني رجل يشق علي العزوبة فأذن لي في الخصاء قال : " لا ولكن عليك بالصيام " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية