الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  804 ( باب من لم يرد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان من لم يرد السلام على الإمام ، يعني بتسليمة ثالثة بين التسليمتين ، واكتفى بتسليم الصلاة ، وهو التسليمتان ، ويروى " من لم يردد السلام " من الترديد ، وهو تكرير السلام ، والحاصل من هذه الترجمة أن البخاري يرد بذلك على من يستحب تسليمة ثالثة على الإمام بين التسليمتين ، وهم طائفة من المالكية ، وقال ابن التين : يريد البخاري أن من كان خلف الإمام إنما يسلم واحدة ينوي بها الخروج من الصلاة ، ولم يرد على الإمام ، ولا على من في يساره ، وفيه نظر ، وإنما أراد البخاري ما ذكرناه ، والدليل على ذلك أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان لا يرد على الإمام . وعن النخعي : إن شاء رد ، وإن شاء لم يرد ، وفي ( التوضيح ) : ومالك يرى أنه يرد . وبه قال ابن عمر في أحد قوليه ، والشعبي ، وسالم ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء . وقال ابن بطال : أظن البخاري أنه قصد الرد على من أوجب التسليمة الثانية ؟ ( قلت ) : فيه نظر ، والصواب ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء في هذا الباب ; فذهب عمر بن عبد العزيز والحسن البصري ومحمد بن سيرين والأوزاعي ومالك - إلى أن التسليم في آخر الصلاة مرة واحدة ، ويحكى ذلك عن ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله تعالى عنهم . واحتجوا في ذلك بحديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - كان يسلم من الصلاة بتسليمة واحدة : السلام عليكم " . رواه الطحاوي في ( شرح معاني الآثار ) وأبو عمر بن عبد البر في ( الاستذكار ) . وذهب نافع بن عبد الحارث وعلقمة وأبو عبد الرحمن السلمي وعطاء ابن أبي رباح والشعبي والثوري والنخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي وإسحاق وابن المنذر - إلى أن التسليم في آخر الصلاة ثنتان ; مرة عن يمينه ، ومرة عن يساره ، ويحكى ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمار رضي الله تعالى عنهم . وأخرج الطحاوي حديث التسليمتين عن ثلاثة عشر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وهم سعد وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة والبراء بن عازب ووائل بن حجر وعدي بن عميرة الحضرمي وأبو مالك الأشعري وطلق بن علي وأوس ابن أبي أوس وأبو رمثة . ( قلت ) : وفي [ ص: 124 ] الباب أيضا ، عن جابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد وحذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وواثلة بن الأسقع وعبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنهم فهؤلاء عشرون صحابيا رووا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن المصلي يسلم في آخر صلاته تسليمتين ; تسليمة عن يمينه وتسليمة عن يساره .

                                                                                                                                                                                  وأجاب ابن عمر عن حديث سعد ابن أبي وقاص أنه وهم ، وإنما الحديث كما رواه ابن المبارك بسنده عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه ، وعن يساره .

                                                                                                                                                                                  وأجاب الطحاوي مثله بما محصله أن رواية التسليمة الواحدة هي رواية الدراوردي ، وأن عبد الله بن المبارك وغيره خالفوه في ذلك ، ورووا عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم تسليمتين .

                                                                                                                                                                                  ثم اختلفوا في السلام ; هل هو واجب أم سنة . فعن أبي حنيفة أنه واجب ، وعنه أنه سنة ، وقال صاحب ( الهداية ) : ثم إصابة لفظ السلام واجبة عندنا ، وليست بفرض خلافا للشافعي ، وفي ( المغني ) لابن قدامة : التسليم واجب لا يقوم غيره مقامه ، والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة ، وقال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة - جائزة ، وقال الطحاوي : قال الحسن بن حر : هما واجبتان ، وهي رواية عن أحمد . وبه قال بعض أصحاب مالك ، وقال الثوري : لو أخل بحرف من حروف " السلام عليكم " لم تصح صلاته ، وفي ( المغني ) : السنة أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله ، وإن قال : وبركاته أيضا فحسن ، والأول أحسن ، وإن قال " السلام عليكم " ولم يزد فظاهر كلام أحمد أنه يجزئه ، وقال ابن عقيل : الأصح أنه لا يجزئه ، وإن نكس السلام ، فقال : وعليكم السلام لم يجزه ، وقال القاضي : فيه وجه أنه يجزئه ، وهو مذهب الشافعي ، وقال ابن حزم : الأولى فرض ، والثانية سنة حسنة ، لا يأثم تاركها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية