الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  865 ( وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يحرم البيع حينئذ )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي حين نودي للصلاة ، وهذا التعليق وصله ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ " لا يصلح البيع يوم الجمعة حتى ينادى للصلاة ، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع " .

                                                                                                                                                                                  وقال الزجاج : البيع في وقت الزوال من يوم الجمعة إلى انقضاء الصلاة كالحرام .

                                                                                                                                                                                  وقال الفراء : إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء ; لأنه إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء ، ولأن المشتري والبائع يقع عليهما البيعان ، وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تحرم التجارة عند الأذان ، ويحرم الكلام عند الخطبة ، ويحل الكلام بعد الخطبة ، وتحل التجارة بعد الصلاة " ، وعن قتادة " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة حرم البيع والشراء " .

                                                                                                                                                                                  وقال الضحاك : إذا زالت الشمس ، وعن عطاء والحسن مثله ، وعن أيوب : لأهل المدينة ساعة يوم الجمعة ينادون حرم البيع ، وذلك عند خروج الإمام ، وفي ( المصنف ) عن مسلم بن يسار : إذا علمت أن النهار قد انتصف يوم الجمعة فلا تتبايعن شيئا ، وعن مجاهد : من باع شيئا بعد زوال الشمس يوم الجمعة فإن بيعه مردود .

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب الهداية : قيل : المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع هو الأذان الأصلي الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بين يدي المنبر . قلت : هو مذهب الطحاوي فإنه قال : هو المعتبر في وجوب السعي إلى الجمعة على المكلف ، وفي حرمة البيع ، والشراء ، وفي ( فتاوى العتابي ) هو المختار ، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر فقهاء الأمصار ، ونص في المرغيناني أنه هو [ ص: 204 ] الصحيح .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عمر : الأذان الأول بدعة ، ذكره ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عنه ، ثم البيع إذا وقع فعند أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر والشافعي يجوز البيع مع الكراهة ، وهو قول الجمهور .

                                                                                                                                                                                  وقال مالك وأحمد والظاهرية : يبطل البيع ، وفي ( المحلى ) يفسخ البيع إلى أن تقضى الصلاة ، ولا يصححه خروج الوقت ، ولو كانا كافرين ، ولا يحرم نكاح ، ولا إجارة ، ولا سلم .

                                                                                                                                                                                  وقال مالك كذلك في البيع الذي فيه سلم ، وكذا في النكاح ، والإجارة ، والسلم ، وأباح الهبة ، والقرض ، والصدقة ، وعن الثوري : البيع صحيح ، وفاعله عاص لله تعالى ، وروى ابن القاسم عن مالك أن البيع مفسوخ ، وهو قول أكثر المالكية ، وروى عنه ابن وهب ، وعلي بن زياد : بئس ما صنع ، ويستغفر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  وقال عنه : ولا أرى الربح فيه حراما .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن القاسم : لا يفسخ ما عقد من النكاح ، ولا يفسخ الهبة والصدقة والرهن والحمالة .

                                                                                                                                                                                  وقال أصبغ : يفسخ النكاح .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين : كل من لزمه التوجه إلى الجمعة يحرم عليه ما يمنعه منه من بيع أو نكاح أو عمل . قال : واختلف في النكاح والإجارة . قال : وذكر القاضي أبو محمد أن الهبات والصدقات مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو محمد : من انتقض وضوؤه فلم يجد ماء إلا بثمن جاز له أن يشتريه ليتوضأ به ، ولا يفسخ شراؤه ، قال الشافعي في ( الأم ) : ولو تبايع رجلان ليسا من أهل فرض الجمعة لم يحرم بحال ولا يكره ، وإذا بايع رجلان من أهل فرضها أو أحدهما من أهل فرضها ، فإن كان قبل الزوال فلا كراهة ، وإن كان بعده وقبل ظهور الإمام أو قبل جلوسه على المنبر أو قبل شروع المؤذن في الأذان بين يدي الخطيب كره كراهة تنزيه ، وإن كان بعد جلوسه وشروع المؤذن فيه حرم على المتبايعين جميعا سواء كان من أهل الفرض أو أحدهما ، ولا يبطل البيع ، وحرمة البيع ووجوب السعي مختصان بالمخاطبين بالجمعة ، أما غيرهم كالنساء ، فلا يثبت في حقه ذلك ، وذكر ابن أبي موسى في غير المخاطبين روايتين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية