الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
198 64 - حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر قال : حدثني ابن جبر قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=650194كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل ، أو كان nindex.php?page=treesubj&link=22631_22639يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ، ويتوضأ بالمد .
وهم أربعة : الأول : nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم بضم النون ، هو الفضل بن دكين ، تقدم في باب فضل من استبرأ لدينه في كتاب الإيمان .
الثالث : nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر بكسر الميم ، وسكون السين المهملة ، وفتح العين المهملة ، ابن كدام ، بكسر الكاف وبالدال المهملة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم : كان nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر شكاكا في حديثه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة : كنا نسمي nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعرا المصحف لصدقه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12374إبراهيم بن سعد : كان nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة وسفيان إذا اختلفا في شيء ، قال : اذهب بنا إلى الميزان nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر . مات سنة خمس وخمسين ومائة .
الثالث : ابن جبر ، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة ، والمراد به سبط جبر ; لأنه عبد الله بن عبد الله جبر بن عتيك ، تقدم في باب علامة الإيمان حب الأنصار ، ومن قال بالتصغير فقد صحف ; لأن ابن جبير وهو ابن سعيد لا رواية له عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في هذا الكتاب ، وقد روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر ، قال : حدثني شيخ من الأنصار ، يقال له ابن جبر ، ويقال له جابر بن عتيك .
الرابع : nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه .
بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع ، والسماع .
ومنها : أن فيه كوفيان : nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم nindex.php?page=showalam&ids=17074ومسعر ، وبصريان : ابن جبر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس .
ومنها : أن فيه من ينسب إلى جده .
بيان اللغات والمعنى :
قوله ( أنسا ) بالتنوين ; لأنه منصرف وقع مفعولا ، قال الكرماني : في بعضها أنس بدون الألف ، وجوز حذف الألف منه في الكتابة للتخفيف .
قلت : لا بد من التنوين ، وإن كانت الألف لا تكتب .
قوله ( يغسل ) أي يغسل جسده .
قوله ( أو يغتسل ) شك من الراوي .
وقال الكرماني : الشك من ابن جبر أنه ذكر لفظ النبي عليه الصلاة والسلام أو لم يذكر ، وفي أنه قال يغسل أو يغتسل ، من باب الافتعال ، والفرق بين الغسل والاغتسال مثل الفرق بين الكسب والاكتساب .
وقال غيره : والشك فيه من nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به ، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم ، ولم يشك ، فقال : يغتسل .
قلت : الظاهر أن هذا من الناسخ ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي لم يروه بالشك ، فنسبته إلى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أو إلى شيخه أو إلى ابن جبر - ترجيح بلا مرجح ، فلم لا ينسب إلى مسعر !
قوله ( بالصاع ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14038الجوهري : الصاع هو الذي يكال به ، وهو أربعة أمداد [ ص: 95 ] إلى خمسة أمداد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده : الصاع مكيال لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد ، يذكر ويؤنث ، وجمعه : أصوع ، وأصواع ، وصيعان ، وصواع كالصاع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12570ابن الأثير : الصاع مكيال يسع أربعة أمداد ، والمد مختلف فيه .
وفي ( الجامع ) : تصغيره صويع فيمن ذكر ، وصويعة فيمن أنث ، وجمع التذكير أصواع وأصوع وصوع في التذكير ، وأصوع في التأنيث . وفي ( الجمهرة ) : أصوع في أدنى العدد .
وقال ابن بري في ( تلخيص أغلاط الفقهاء ) : الصواب في جمع صاع أصوع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13441ابن قرقول : جاء في أكثر الروايات آصع .
قلت : أصل الصاع صوع قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وفيه ثلاث لغات : صاع ، وصوع على الأصل ، وصواع ، والجمع أصوع ، وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة .
قوله ( ويتوضأ بالمد ) ، وهو ربع الصاع ، ويجمع على أمداد ، ومدد ، ومداد ، ويأتي الخلاف فيه الآن ، وقد مر بعضه عن قريب .
بيان استنباط الحكم : يستنبط منه حكمان :
الأول : أنه nindex.php?page=treesubj&link=22639عليه الصلاة والسلام كان يغتسل بالصاع ، فيقتصر عليه ، وربما يزيد عليه إلى خمسة أمداد ، فدل ذلك أن ماء الغسل غير مقدر ، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا أسبغ وعم ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وقد يرفق الفقيه بالقليل فيكفي ، ويخرق الأخرق فلا يكفي ، ولكن المستحب أن لا ينقص في الغسل والوضوء عما ذكر في الحديث .
وقال بعضهم : فكأن nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا لم يطلع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعمل في الغسل أكثر من ذلك ; لأنه جعلها النهاية ، وسيأتي حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها : أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد . وهو الفرق . وروى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها أيضا : أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد .
قلت : nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه لم يجعل ما ذكره نهاية لا يتجاوز عنها ولا ينقص عنها ، وإنما حكى ما شاهده ، والحال تختلف بقدر اختلاف الحاجة .
وحديث الفرق لا يدل على أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها والنبي صلى الله عليه وسلم كانا يغتسلان بجميع ما في الفرق ، وغاية ما في الباب أنه يدل أنهما يغتسلان من إناء واحد يسمى فرقا . وكونهما يغتسلان منه لا يستلزم استعمال جميع ما فيه من الماء ، وكذلك الكلام في ثلاثة أمداد .
وقال هذا القائل أيضا : وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية ، وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع .
قلت : لا رد فيه على من قال به من الحنفية ; لأنه لم يقل ذلك بطريق الوجوب ، كما قال ابن شعبان بطريق الوجوب ، فإنه قال : لا يجزئ أقل من ذلك ، وأما من قال به من الحنفية فهو nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن ، فإنه روي عنه أنه قال : إن المغتسل لا يمكن أن يعم جسده بأقل من مد .
وهذا يختلف باختلاف أجساد الأشخاص ، ولهذا جعل الشيخ عز الدين بن عبد السلام للمتوضئ والمغتسل ثلاث أحوال : أحدها : أن يكون معتدل الخلق كاعتدال خلقه عليه الصلاة والسلام ، فيقتدي به في اجتناب النقص عن المد والصاع .
الثانية : أن يكون ضئيلا ونحيف الخلق ، بحيث لا يعادل جسده جسده صلى الله تعالى عليه وسلم ، فيستحب له أن يستعمل من الماء ما يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد والصاع إلى جسده صلى الله تعالى عليه وسلم .
الثالثة : أن يكون متفاحش الخلق طولا وعرضا ، وعظم البطن ، وثخانة الأعضاء ، فيستحب أن لا ينقص عن مقدار يكون النسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم اعلم أن الروايات مختلفة في هذا الباب ، ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها : أن nindex.php?page=hadith&LINKID=672007النبي عليه الصلاة والسلام كان يغتسل بالصاع ، ويتوضأ بالمد . ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر كذلك . ومن حديث أم عمارة : nindex.php?page=hadith&LINKID=666334أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد . وفي روايته عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=672010كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بإناء يسع رطلين ، ويغتسل بالصاع .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في ( صحيحيهما ) ، والحاكم في ( مستدركه ) من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد من ماء فتوضأ ، فجعل يدلك ذراعيه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : حديث أم عمارة حسن .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها : كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد ، وفي رواية : من إناء واحد تختلف أيدينا فيه ، وفي رواية : فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت فيه ، وفي أخرى : كانت تغتسل بخمسة مكاكيك وتتوضأ بمكوك ، وفي أخرى : تغسله صلى الله عليه وسلم بالصاع وتوضئه بالمد ، وفي أخرى : يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : بنحو من صاع ، وفي لفظ : من قدح يقال له الفرق .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في كتاب ( التمييز ) : نحو ثمانية أرطال .
وفي ( مسند ) nindex.php?page=showalam&ids=12289أحمد بن منيع : حزرته ثمانية أو تسعة أو عشرة أرطال .
[ ص: 96 ] وعند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه بسند ضعيف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن أبيه ، عن جده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=676779يجزئ من الوضوء مد ، ومن الغسل صاع . وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في ( الأوسط ) من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم في ( معرفة الصحابة ) من حديث أم سعد بنت زيد بن ثابت ترفعه : الوضوء مد ، والغسل صاع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : ليس معنى الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل ، بل هو قدر ما يكفي .
وقال النووي : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره من العلماء : الجمع بين هذه الروايات أنها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله ، فدل على أنه لا حد في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه .
قلت : الإجماع قائم على ذلك ، فالقلة والكثرة باعتبار الأشخاص والأحوال ، فافهم .
والفرق بفتح الفاء ، والراء . وقال أبو زيد : بفتح الراء ، وسكونها . وقال النووي : الفتح أفصح . وزعم nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي أنه الصواب ، وليس كما قال ، بل هما لغتان .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12570ابن الأثير : الفرق بالتحريك يسع ستة عشر رطلا ، وهو ثلاثة أصوع ، وقيل : الفرق خمسة أقساط ، وكل قسط نصف صاع ، وأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الفرق ستة عشر رطلا ، والمكوك إناء يسع المد معروف عندهم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12570ابن الأثير : المكوك المد ، وقيل : الصاع ، والأول أشبه ; لأنه جاء في الحديث مفسرا بالمد .
وقال أيضا : المكوك اسم للمكيال ، ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد ، ويجمع على مكاكي بإبدال الياء بالكاف الأخيرة ، ويجيء أيضا على مكاكيك .
الحكم الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم كان nindex.php?page=treesubj&link=22631يتوضأ بالمد ، وهو رطلان عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : رطل وثلث بالعراقي ، وقد ذكرناه ، وأما الصاع فعند أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل عراقية ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، ومحمد : الصاع ثمانية أرطال . وحجة nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عنه ، قال : قدمت المدينة وأخرج إلي من أثق به صاعا ، وقال : هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدته خمسة أرطال وثلثا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : وسمعت ابن عمران يقول : الذي أخرجه لأبي يوسف هو nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني يقول : عبرت صاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل ، واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومحمد بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس رضي الله عنهما ، وقد ذكرناه في أول الباب .