الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  251 7 - حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، قال : حدثني سليمان بن صرد ، قال : حدثني جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا وأشار بيديه كلتيهما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله وهم خمسة : أبو نعيم الفضل بن دكين ، وزهير بن معاوية الجعفي ، وأبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله وسليمان بن صرد بضم الصاد وفتح الراء بعدهما الدال المهملات من أفاضل الصحابة ، روي له خمسة عشر حديثا ، وأخرج البخاري منها اثنين ، سكن الكوفة أول ما نزل بها المسلمون ، خرج أميرا في أربعة آلاف يطلبون دم الحسين رضي الله تعالى عنه ، سموا بالتوابين ، وهو أميرهم ، فقتله عسكر عبيد الله بن زياد بالجزيرة سنة خمس وستين ، وجبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ، وسكون الياء آخر الحروف والراء ابن مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام القرشي النوفلي روي له ستون حديثا ، أخرج البخاري منها تسعة ، كان من سادات قريش مات بالمدينة سنة أربع وخمسين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين . وفيه : العنعنة في موضع واحد . وفيه : أن إسناده عن أبي نعيم أعلى من إسناد حديث الباب الأول عنه . وفيه رواية الصحابي عن الصحابي . وفيه : رواية الأقران ، [ ص: 201 ] وفيه أن رواته ما بين كوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى وقتيبة ، ثلاثتهم عن أبي الأحوص وعن أبي موسى وبندار ، كلاهما عن غندر ، عن شعبة ، ثلاثتهم عن أبي إسحاق ، عنه به ، وأخرجه أبو داود فيه ، عن النوفلي ، عن زهير به ، وأخرجه النسائي فيه ، عن قتيبة ، وعن عبيد الله بن سعيد ، عن يحيى بن سعيد ، وعن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، كلاهما عن شعبة به ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه وإعرابه ) . قوله : " أما أنا فأفيض " بضم الهمزة من الإفاضة ، وهي الإسالة . قال الكرماني : أما للتفصيل فأين قسيمه ( قلت ) اقتضاء القسيم غير واجب ، ولئن سلمنا فهو محذوف يدل عليه السياق ، روى مسلم في صحيحه ، أن الصحابة تماروا في صفة الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عليه السلام : أما أنا فأفيض ، أي : وأما غيري فلا يفيض أو فلا أعلم حاله كيف يعمل ونحوه ، انتهى . قلت : التحقيق في هذا الموضع أن كلمة أما بالفتح والتشديد حرف شرط وتفصيل وتوكيد ، والدليل على الشرط لزوم الفاء بعدها نحو : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق ) . والتفصيل نحو قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين وأما الغلام . وأما الجدار . وأما التوكيد فقد ذكره الزمخشري فإنه قال فائدة " أما " في الكلام أن تعطيه فضل توكيد تقول : زيد ذاهب فإذا قصدت ذلك ، وأنه لا محالة ذاهب ، وأنه بصدد الذهاب ، وأنه منه عزيمة . قلت : أما زيد فذاهب ، وهنا أيضا للتأكيد فلا حاجة إلى القسيم ، ولا يحتاج إلى أن يقال : إنه محذوف ، وأما الذي رواه مسلم فهو من طريق أبي الأحوص عن إسحاق : تماروا في الغسل عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال بعض القوم : أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا . فذكر الحديث ، وقال بعضهم : هذا هو القسيم المحذوف . قلت : لا يحتاج إلى هذا ; لأن الواجب أن يعطى حق كل كلام بما يقتضيه الحال فلا يحتاج إلى تقدير شيء من حديث روي من طريق لأجل حديث آخر في بابه من طريق آخر . قوله : " ثلاثا " ، أي : ثلاث أكف . وهكذا في رواية مسلم ، والمعنى ثلاث حفنات كل واحدة منهن بملء الكفين جميعا ، ويدل عليه أيضا ما رواه أحمد في مسنده ، فآخذ ملء كفي ثلاثا فأصب على رأسي ، وما رواه أيضا عن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب بيده على رأسه ثلاثا ، وفي معجم الإسماعيلي : إن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن أرضنا باردة ، فكيف نفعل في الغسل ؟ فقال : أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا . وفي ( أوسط ) الطبراني مرفوعا : تفرغ بيمينك على شمالك ، ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك ، ثم توضأ وضوءك للصلاة ، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات ، تدلك رأسك كل مرة . وقال الداودي : الحفنة باليد الواحدة ، وقال غيره : باليدين جميعا . والحديث المذكور يدل عليه . والحثية باليد الواحدة ، وبما ذكرنا سقط قول بعضهم : إن لفظة ثلاثا محتملة للتكرار ومحتملة لأن يكون للتوزيع على جميع البدن . قوله : " وأشار بيديه " من كلام جبير بن مطعم ، أي : أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الثنتين كما قلنا : إن كل حفنة ملء الكفين . قوله : كلتيهما كذا في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني كلاهما ، وحكى ابن التين في بعض الروايات : كلتاهما . قلت : كون كلا وكلتا عند إضافته إلى الضمير في الأحوال الثلاثة بالألف لغة من يراهما تثنية ، وإن التثنية لا تتغير كما في قول الشاعر .


                                                                                                                                                                                  إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

                                                                                                                                                                                  وأما وجه رواية الكشميهني كلاهما بدون التاء فبالنظر إلى اللفظ دون المعنى .

                                                                                                                                                                                  ويستنبط منه أن المسنون في الغسل أن يكون ثلاث مرات ، وعليه إجماع العلماء ، وأما الفرض منه فغسل سائر البدن بالإجماع ، وفي المضمضة والاستنشاق خلاف مشهور ، وقالت الشافعية : استحباب صب الماء على الرأس ثلاثا متفق عليه ، وألحق به أصحابنا سائر الجسد قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء ، وهو أولى بالثلاث من الوضوء ; فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره ، فإذا استحب فيه الثلاث فالغسل أولى ، وقال النووي : ولا نعلم فيه خلافا إلا ما تفرد به الماوردي حيث قال : لا يستحب التكرار في الغسل ، وهو شاذ متروك ورد عليه بأن الشيخ أبا علي السنجي ، قاله أيضا ، ذكره في ( شرح الفروع ) فلم ينفرد به ، ونقل ابن التين عن العلماء أنه يحتمل أن يكون هذا على ما شرع في الطهارة من التكرار وأن يكون لتمام الطهارة ; لأن الغسلة الواحدة لا تجزئ في استيعاب غسل الرأس ، قال : وقيل : ذلك مستحب وما أسبغ أجزأ ، وكذا قال ابن بطال : العدد في ذلك مستحب عند العلماء ، وما عم وأسبغ أجزأ .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية