الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  206 72 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة : أن سويد بن النعمان أخبره : أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر ، حتى إذا كانوا بالصهباء ، وهي أدنى خيبر ، فصلى العصر ثم دعا بالأزواد ، فلم يؤت إلا بالسويق ، فأمر به فثري ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا ، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ، ثم صلى ولم يتوضأ .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله :

                                                                                                                                                                                  وهم خمسة : الثلاثة الأول تكرر ذكرهم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وبشير بضم الباء الموحدة ، وفتح الشين المعجمة ، ابن يسار بفتح الياء آخر الحروف ، كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ، وسويد بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف ، ابن النعمان بضم النون الأنصاري الأوسي المدني من أصحاب بيعة الرضوان ، روي له سبعة أحاديث ، للبخاري منها حديث واحد ، وهو هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع ، والإخبار كذلك ، والعنعنة .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن رواته كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن فيه رواية التابعي عن التابعي ، كلاهما من أكابر التابعين .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن رواته كلهم أئمة أجلاء فقهاء كبار .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري في سبعة مواضع من الكتاب : في الطهارة في موضعين ، في أحدهما عن عبد الله بن يوسف ، وفي الآخر عن خالد بن مخلد .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه في المغازي عن القعنبي ، عن مالك ، وعن محمد بن بشار ، وفي الجهاد عن محمد بن المثنى ، وفي موضعين في الأطعمة : أحدهما عن علي بن عبد الله ، وعن سليمان بن حرب .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في الطهارة ، عن قتيبة ، عن الليث ، وفي الوليمة ، عن محمد بن بشار .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن ماجه فيه أيضا ، عن أبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                  بيان اللغات ، والإعراب :

                                                                                                                                                                                  قوله ( عام خيبر ) عام منصوب على الظرفية ، وخيبر بلدة معروفة ، بينها وبين المدينة نحو أربع مراحل .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عبيد : ثمانية برد ، وسميت باسم رجل من العماليق نزلها ، وكان اسمه خيبر بن قانية بن مهلائل ، وكان عثمان رضي الله تعالى عنه مصرها ، وهي غير منصرف للعلمية والتأنيث ، فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  وقال عياض : اختلفوا في فتحها ، فقيل : فتحت عنوة ، وقيل : صلحا ، وقيل : جلا أهلها عنها بغير قتال ، وقيل : بعضها صلحا ، وبعضها عنوة ، وبعضها جلاء أهلها بغير قتال .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بالصهباء ) بالمد ، موضع على روحة من خيبر ، كذا رواه في الأطعمة .

                                                                                                                                                                                  وقال البكري : على بريد ، على لفظ تأنيث أصهب ..

                                                                                                                                                                                  قوله ( وهي أدنى خيبر ) أي أسفلها وطرفها جهة المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فصلى العصر ) الفاء فيه لمحض العطف ، وليست للجزاء ، إذ قوله ( إذا ) ليست جزائية ، بل هي ظرفية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بالأزواد ) جمع زاد ، وهو طعام يتخذ للسفر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فأمر به ) أي بالسويق .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فثري ) بضم الثاء المثلثة على صيغة المجهول من الماضي من التثرية ، ومعناه : بل ، وقد مر معناه عن قريب مستوفى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فأكل رسول الله عليه الصلاة والسلام ) أي منه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأكلنا ) زاد في رواية سليمان : وشربنا . وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب : فأكلنا وشربنا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فمضمض ) أي قبل الدخول في الصلاة .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ما فائدة المضمضة منه ، ولا دسم له ؟ قلت : يحتبس منه شيء في أثناء الأسنان وجوانب الفم ، فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة .

                                                                                                                                                                                  بيان استنباط الأحكام :

                                                                                                                                                                                  الأول : أن فيه استحباب المضمضة بعد الطعام ، للمعنى الذي ذكرناه آنفا .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : استدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد .

                                                                                                                                                                                  قلت : البخاري لم يضع الباب لذلك ، وإن كان يفهم منه ذلك .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه دلالة على عدم وجوب الوضوء مما مسته النار .

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي : فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ ; لأنه متقدم ، وخيبر كانت سنة سبع .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : لا دلالة فيه ; لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر .

                                                                                                                                                                                  قلت : لا يستبعد ذلك ; لأن أبا هريرة ربما يروي حديثا عن صحابي كان ذلك قبل أن يسلم ، فيسنده إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ; لأن [ ص: 107 ] الصحابة كلهم عدول .

                                                                                                                                                                                  الثالث : فيه دلالة على جمع الرفقاء على الزاد في السفر ; لأن الجماعة رحمة ، وفيهم البركة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : استدل به المهلب على أن للإمام أن يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه الدلالة على أن على الإمام أن ينظر لأهل العسكر ، فيجمع الزاد ليصيب منه من ما لا زاد له .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية