18431 8111 - (18910) - (4 \ 323 - 326) عن المسور بن مخرمة، قالا: ومروان بن الحكم، الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وهذا في خيلهم قدموا إلى خالد بن الوليد كراع الغميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا، قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة "، ثم أمر الناس، فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، نكصوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته، فقال الناس: خلأت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها " ثم قال للناس: " انزلوا " فقالوا: يا رسول الله، ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس. فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته، فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب، فغرزه فيه، [ ص: 200 ] فجاش الماء بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن، فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، البيت، معظما لحقه. فاتهموهم. إنكم تعجلون على محمد، وإن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
قال قال محمد يعني ابن إسحاق: الزهري: وكانت خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها، لا يخفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة، قالوا: وإن كان إنما جاء لذلك، فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة، ولا تتحدث بذلك العرب.
ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف، أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " هذا رجل غادر ". فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه، ثم رجع إلى قريش، فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابش، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي في وجهه ".
فبعثوا الهدي، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله، رجع، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى، فقال: يا معشر قريش، قد رأيت ما لا يحل صده: الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله. فقالوا: اجلس، إنما أنت أعرابي لا علم لك، فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم، من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم، من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس بين يديه، فقال: يا محمد، جمعت أوباش الناس، ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ [ ص: 201 ] المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وأيم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد، فقال: امصص بظر اللات، أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمد؟ قال: " هذا ابن أبي قحافة " قال: والله لولا يد كانت لك عندي، لكافأتك بها، ولكن هذه بها. ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد، قال: يقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله لا تصل إليك. قال: ويحك، ما أفظك وأغلظك. والمغيرة بن شعبة
قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هذا يا محمد؟ قال: " هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة " قال: أغدر، هل غسلت سوأتك إلا بالأمس. قال: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه، فأخبره أنه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروه، ولا يبسق بساقا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر في ملكهما، والله ما رأيت ملكا قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم. قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعث والنجاشي خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعهم الأحابش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني قال: فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثه إلى عثمان بن عفان. قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته [ ص: 202 ] وحمله بين يديه، وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا إن شئت أن تطوف بالبيت، فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن لعثمان: عثمان قد قتل.
قال محمد: فحدثني الزهري: أن قريشا بعثوا أحد سهيل بن عمرو، بني عامر بن لؤي، فقالوا: ائت محمدا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا، فأتاه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل "، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب سهيل بن عمرو، فأتى عمر بن الخطاب، فقال: يا أبا بكر، أوليس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا. فقال أبا بكر، يا أبو بكر: الزم غرزه حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: " بلى "، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال: " أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني " ثم قال عمر: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا. عمر:
قال: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو: " فقال سهيل بن عمرو : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله [ ص: 203 ] وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى سهيل بن عمرو قريشا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه، وإن بيننا عيبة مكفوفة، وإنه لا إسلال ولا إغلال. وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. وأنك ترجع عنا عامنا هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل، خرجنا عنك، فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاءه في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا، فلما رأى أبو جندل بن سهيل بن عمرو سهيل قام إليه، فضرب وجهه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: " صدقت ". فقام إليه، فأخذ بتلبيبه، قال: وصرخ أبا جندل، بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني. قال: فزاد الناس شرا إلى ما بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبو جندل اصبر واحتسب، فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم ". قال: فوثب إليه أبا جندل مع عمر بن الخطاب فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. قال: [ ص: 204 ] ويدني قائم السيف منه. قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه . قال: فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس، انحروا واحلقوا " قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أبي جندل، فقال: " يا أم سلمة، ما شأن الناس؟ " قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس، فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون. قال: حتى إذا كان بين أم سلمة، مكة والمدينة في وسط الطريق، فنزلت سورة الفتح.