2366 1419 - (2370) - (1 \ 261 - 262) حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه محمد بن مسلم ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : أن عبد الله بن عباس أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام ، وبعث كتابه مع دحية الكلبي ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ، ليدفعه إلى قيصر ، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر ، وكان قيصر لما كشف الله - عز وجل - عنه جنود فارس ، مشى من حمص إلى إيلياء على الزرابي تبسط له ، فقال عبد الله بن عباس : فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حين قرأه : التمسوا لي من قومه من أسأله عن رسول الله .
قال ابن عباس : فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارا ، وذلك في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش .
قال أبو سفيان : فأتاني رسول قيصر ، فانطلق بي وبأصحابي ، حتى قدمنا إيلياء ، فأدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلس ملكه ، عليه التاج ، وإذا حوله عظماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم : أيهم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان : أنا أقربهم إليه نسبا ، قال : ما قرابتك منه ؟ قال : قلت : هو
[ ص: 457 ] ابن عمي . قال أبو سفيان : وليس في الركب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري ، قال : فقال قيصر : أدنوه مني . ثم أمر بأصحابي ، فجعلوا خلف ظهري عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه : إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب ، فكذبوه . قال أبو سفيان : فوالله لولا الاستحياء يومئذ أن يأثر أصحابي عني الكذب ، لكذبته حين سألني ، ولكني استحيت أن يأثروا عني الكذب ، فصدقته عنه .
ثم قال لترجمانه : قل له : كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قال : قلت : هو فينا ذو نسب ، قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ قال : قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه في الكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : فقلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قال : قلت : لا . قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قال : قلت : بل ضعفاؤهم . قال : فيزيدون أم ينقصون ؟ قال : قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قال : قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قال : قلت : لا ، ونحن الآن منه في مدة ، ونحن نخاف ذلك . قال : قال أبو سفيان : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه به غيرها ، لا أخاف أن يؤثر عني ، قال : فهل قاتلتموه أو قاتلكم ؟ قال : قلت : نعم . قال : كيف كانت حربكم وحربه ؟ قال : قلت : كانت دولا سجالا ندال عليه المرة ، ويدال علينا الأخرى . قال : فبم يأمركم ؟ قال : قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدق ، والعفاف والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة .
قال : فقال لترجمانه حين قلت له ذلك : قل له : إني سألتك عن نسبه فيكم ، فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك : هل قال هذا القول أحد منكم قط قبله ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو
457
[ ص: 458 ] كان أحد منكم قال هذا القول قبله ، قلت : رجل يأتم بقول قيل قبله .
وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ، ويكذب على الله - عز وجل - . وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك ، قلت : رجل يطلب ملك آبائه .
وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل .
وسألتك : هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم .
وسألتك : هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد .
وسألتك : هل يغدر ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل .
وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ؟ فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه يكون دولا ، يدال عليكم المرة ، وتدالون عليه الأخرى ، وكذلك الرسل تبتلى ، ويكون لها العاقبة .
وسألتك : بماذا يأمركم ؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله - عز وجل - وحده لا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصدق ، والصلاة ، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أظن أنه منكم .
فإن يكن ما قلت فيه حقا ، فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، والله ! لو أرجو أن أخلص إليه ، لتجشمت لقيه ، ولو كنت عنده ، لغسلت عن قدميه .
قال أبو سفيان : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر به ، فقرئ ، فإذا فيه :
[ ص: 459 ] "بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى .
أما بعد : فإني أدعوك بداعية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت ، فعليك إثم الأريسيين - يعني : الأكرة - ، و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [آل عمران : 64] .
قال أبو سفيان : فلما قضى مقالته ، علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم ، وكثر لغطهم ، فلا أدري ماذا قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا ، قال أبو سفيان : فلما خرجت مع أصحابي ، وخلصت لهم ، قلت لهم : أمر أمر ابن أبي كبشة ، هذا ملك بني الأصفر يخافه ، قال أبو سفيان : فوالله ما زلت ذليلا مستيقنا أن أمره سيظهر ، حتى أدخل الله قلبي الإسلام ، وأنا كاره .


