[ ص: 874 ] تنبيه آخر:
127 - قول عند ذكر هذا المثال: "ويصلح مثالا للمعلل". ابن الصلاح
لا يختص هذا بهذا المثال، بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو شاذا ; لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض ومعرفة من يوافق ممن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ والله أعلم.
ما رواه ومن أمثلته في الإسناد في صحيحه من طريق ابن حبان مصعب بن المقدام عن عن سفيان الثوري عن أبي الزبير - رضي الله تعالى عنه - قال: جابر "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمس الرجل ذكره بيمينه".
قال في العلل: "هذا وهم فيه أبو حاتم مصعب ، وإنما حدث به عن الثوري هشام عن عن يحيى بن أبي كثير عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
[ ص: 875 ] ومنها ما رواه من طريق عن يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري منصور ، عن مقسم عن رضي الله عنهما: قال: ابن عباس لأبي جهل " . ساق النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة بدنة فيها جمل
قال : "سألت ابن أبي حاتم أبا زرعة عنه فقال: هذا خطأ إنما هو عن الثوري عن ابن أبي ليلى الحكم عن مقسم عن -رضي الله عنهما- فالخطأ فيه من ابن عباس ". يعلى بن عبيد
فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة، فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدث بأحدهما (مرويا وبالآخر مرارا)؟
قلنا هذا التجويز لا ننكره; لكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن [ ص: 876 ] وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع إلى القرائن في مثل هذا وإنما يعول في ذلك منهم على النقاد المطلعين منهم كما مضى ويأتي ولهذا كان كثير منهم يرجعون عن الغلط إذا نبهوا عليه كما روينا في "تاريخ " عن العباس بن محمد الدوري قال: حضرت مجلس يحيى بن معين نعيم بن حماد بمصر ، فجعل يقرأ كتابا من تصنيفه، قال فقرأ ساعة، ثم قال: ثنا عن ابن المبارك ، فذكر أحاديث، فقلت له: ليس هذا عن ابن عون فغضب وقال: ترد علي؟ ابن المبارك
قلت: نعم أريد بذلك زينك، فأبى أن يرجع.
فقلت: والله ما سمعت أنت هذه الأحاديث من من ابن المبارك ، فغضب هو وكل من كان عنده، وقام، فدخل البيت فأخرج صحائف، فجعل يقول: (نعم يا ابن عون مبارك ما غلطت) وكانت هذه صحائف يعني مجموعة، فغلطت، فجعلت أكتب من حديث عن ابن المبارك وإنما رواها لي عن ابن عون غير ابن عون . قال فرجع عنها. ابن المبارك
وكما روينا في ترجمة تصنيف وراقه البخاري محمد بن أبي حاتم أنه سمعه يقول:
[ ص: 877 ] "خرجت من الكتاب ولي عشر سنين، فجعلت أختلف إلى الداخلي يعني فقال يوما وهو يقرأ للناس: سفيان عن [عن أبي الزبير إبراهيم ] فقلت له: يا أبا فلان إن لم يروه عن أبا الزبير إبراهيم فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك.
فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف قلت يا غلام؟ فقلت: هم عن الزبير بن عدي إبراهيم . فقال: صدقت وأخذ القلم مني فأحكم كتابه قال: وكان يومئذ إحدى عشرة سنة. للبخاري
ما رواه ومن أمثلته في المتن من طريق الحاكم محمد بن محمد بن حبان ، عن أبي الوليد عن عن مالك عن الزهري عن عروة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ..." الحديث. قال "ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما قط : "انقلب على الحاكم ، وإنما روى ابن حبان أبو الوليد بهذا الإسناد حديث: . "ما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم – بيده"
[ ص: 878 ] ومما وقع فيه القلب في المتن دون الإسناد ما رواه في "السنن" من حديث أبو داود أبي عثمان عن بلال - رضي الله عنه - أنه قال: . يا رسول الله! لا تسبقني بآمين
فإن رواه في مستدركه من هذا الوجه بلفظ: الحاكم . والمحفوظ الأول. "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تسبقني بآمين"
وذكر شيخنا شيخ الإسلام في "محاسن الاصطلاح" له، من أمثلته ما رواه من حديث ابن خزيمة عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
[ ص: 879 ] يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال". وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر. ابن أم مكتوم "إن
قال شيخنا: "هذا مقلوب والصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها": - رضي الله عنه - يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلالا ، وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت ابن أم مكتوم . أن
قال شيخنا: وما تأوله من أنه يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأذان نوبا بين ابن خزيمة بلال رضي الله عنهما بعيد وأبعد منه جزم وابن أم مكتوم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك. ابن حبان
قلت: وهذا الحديث بالسياق الأول أخرجه من طريق. ابن خزيمة
وله طريق أخرى أخرجها في مسنده أحمد - أيضا - وابن خزيمة
[ ص: 880 ] من طريق. وابن حبان
خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ، فكلوا واشربوا، وإذا أذن ابن أم مكتوم بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا"، فإن كانت المرأة منا ليبقى عليها شيء من سحورها، فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري. "إذا أذن
قال ابن الجوزي في جامع المسانيد: "كأن هذا مقلوب".
قلت: ورواه عن شعبة خبيب بن عبد الرحمن على الشك قال: عن أنيسة أن أو ابن أم مكتوم بلال .
[ ص: 881 ] وإذا كان وهو أتقن من غيره - حفظ عن شعبة خبيب فيه الشك فذاك دليل على أن خبيبا لم يضبطه، فلا يحتاج إلى تكلف الجمع الذي جمعه ، ثم هجم ابن خزيمة فجزم به، والله الموفق للصواب. ابن حبان
ومن هذا الباب ما رواه من طريق البزار ، عن ابن عيينة ، عن سالم أبي النضر قال: "أرسلني بسر بن سعيد أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله، عن المار بين يدي المصلي".
[ ص: 882 ] فإن الحديث في الصحيحين وغيرهما من طريق عن مالك بلفظ: أبي النضر زيد بن خالد إلى أبي جهيم " . "أرسلني
ومنها ما وقع في الصحيح من رواية يحيى بن سعيد ، عن هشام عن محمد ، عن - رضي الله عنه - في السبعة الذين يظلهم الله في عرشه.. أبي هريرة
فذكر منهم: . كذا رواه، والمحفوظ من طرق أخرى في الصحيح "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" . "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"
[ ص: 883 ] فاليمين آلة الإنفاق لا الشمال، لكن حمل بعضهم هذا على ما إذا كان الإنفاق باليمين مستلزما إظهار الصدقة، والإنفاق بالشمال يستلزم إخفاءها، فإن الإنفاق بالشمال والحالة هذه يكون أفضل من الإنفاق باليمين.
ومن ذلك ما وقع في صحيح . ابن حبان
الكعبة مستدبر الشام " . "مستقبل
ومن ذلك ما روى في صحيحه قال: ثنا مسلم محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ووكيع عن عن الأعمش شقيق عن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال [ ] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال وكيع في حديثه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ابن نمير
[ ص: 884 ] . "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار"
وقلت أنا: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة" .
فرواه في صحيحه المستخرج على أبو عوانة قال: حدثنا مسلم علي بن حرب ثنا وكيع وأبو معاوية عن بهذا الإسناد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الأعمش . "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وقلت أنا: "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار"
قال : "لفظ أبو عوانة ". أبي معاوية
وهذا مقلوب، فإن الحديث في "صحيح " من طريق البخاري حفص بن غياث وأبي حمزة السكري ، وكذا رواه من طريق النسائي شعبة أيضا من حديث وابن خزيمة كلهم عن ابن نمير ، وأخرجه الأعمش أيضا عن ابن خزيمة سلم بن جنادة وأبي موسى محمد بن المثنى كلاهما عن كما ساق أبي معاوية . قال أبو عوانة : ابن خزيمة
[ ص: 885 ] "قلبه أبو معاوية والصواب حديث ". شعبة
قلت: وقد رواه ابن خزيمة من طريقين آخرين غير طريق وابن حبان . الأعمش
وأما فمن طريق ابن خزيمة سيار أبي الحكم .
وأما فمن طريق ابن حبان كلاهما عن المغيرة بن مقسم وهو الصواب. أبي وائل شقيق بن سلمة
ومثال . ما رواه ما وقع فيه القلب في الإسناد والمتن معا من طريق الحاكم المنذر بن عبد الله الحزامي ، عن ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الله بن دينار -رضي الله عنهما- قال: ابن عمر ..." الحديث. "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك
[ ص: 886 ] قال : "وهم فيه الحاكم المنذر ، والصحيح ما رواه الجماعة عن عن عبد العزيز بن أبي سلمة عبد الله بن الفضل عن ، عن الأعرج عبيد الله بن أبي رافع ، عن - رضي الله تعالى عنه - قال: علي .." الحديث. إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
قلت: وهو في صحيح وغيره من هذا الوجه على الصواب. مسلم
فهذه أمثلة أقسام المقلوب، فقد أتيت على شرحها بحمد الله تعالى، والله الموفق.