الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
4819 [ 2598 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=401جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=661827nindex.php?page=treesubj&link=33685_18624 "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا".
[ ص: 699 ] و (قوله : " اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإذا اختلفتم فيه فقوموا ") يحتمل هذا الخلاف أن يحمل على ما قلناه آنفا . قال القاضي : وقد يكون أمره بالقيام عند الاختلاف في عصره وزمنه ؛ إذ لا وجه للخلاف والتنازع حينئذ ، لا في حروفه ، ولا في معانيه ، وهو صلى الله عليه وسلم حاضر معهم ، فيرجعون إليه في مشكله ، ويقطع تنازعهم بتبيانه .
قلت : ويظهر لي أن مقصود هذا الحديث الأمر nindex.php?page=treesubj&link=18628بالاستمرار في قراءة القرآن ، وفي تدبره ، والزجر عن كل شيء يقطع عن ذلك . والخلاف فيه في حالة القراءة قاطع عن ذلك في أي شيء كان ، من حروفه أو معانيه ، والقلب إذا وقع فيه شيء لا يمكن رده على الفور ، فأمرهم بالقيام إلى أن تزول تشويشات القلب . ويستفاد هذا من قوله : " اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم " فإن القراءة باللسان ، والتدبر بالقلب ، فأمر باستدامة القراءة مدة دوام تدبر القلب ، فإذا وقع الخلاف في تلك الحال انصرف اللسان عن القراءة ، والقلب عن التدبر . وعلى هذا فمن أراد أن يتلو القرآن ، فلا يبحث عن معانيه في حال قراءته مع غيره ، ويفرد لذلك وقتا غير وقت القراءة . والله أعلم .
والحاصل : أن الباحثين في فهم معاني القرآن يجب عليهم أن يقصدوا ببحثهم التعاون على فهمه واستخراج أحكامه ، قاصدين بذلك وجه الله تعالى ، ملازمين الأدب والوقار ، فإن اتفقت أفهامهم ، فقد كملت نعمة الله تعالى عليهم ، وإن اختلفت وظهر لأحدهما خلاف ما ظهر للآخر ، وكان ذلك من مثارات الظنون ومواضع الاجتهاد ، فحق كل واحد أن يصير إلى ما ظهر له ، ولا يثرب على الآخر ولا يلومه ، ولا يجادله ، وهذه حالة الأقوياء والمجتهدين ، وأما من لم [ ص: 700 ] يكن كذلك فحقه الرجوع إلى قول الأعلم ، فإنه عن الغلط أبعد وأسلم ، وأما إن كان ذلك من المسائل العلمية فالصائر إلى خلاف القطع فيها محروم ، وخلافه فيها محرم مذموم ، ثم حكمه على التحقيق ، إما التكفير وإما التفسيق .
و (قوله : " هلك المتنطعون ، ثلاثا ") هم المتعمقون في الكلام ، الغالون فيه ، ويعني بهم : الغالين في التأويل ، العادلين عن ظواهر الشرع بغير دليل ؛ كالباطنية ، وغلاة الشيعة . وهلاكهم بأن صرفوا عن الحق في الدنيا ، وبأن يعذبوا في الآخرة . والتكرار : تأكيد وتفخيم بعظيم هلاكهم .