الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4717 [ 2515 ] وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس خيرا ويقول خيرا وينمي خيرا" .

                                                                                              وفي رواية: قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث ؛ "الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها" .

                                                                                              وقد روى مسلم هذا من كلام ابن شهاب .

                                                                                              رواه أحمد ( 6 \ 403 )، والبخاري (2692)، ومسلم (2605) وأبو داود (2920 و 2921)، والترمذي (1938).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قول أم كلثوم : ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث ) تعني بذلك : أنه لم يرخص في شيء مما يكذب الناس فيه ، إلا في هذه الثلاث ، وقد جاء لفظ الكذب نصا في كتاب الترمذي ، من حديث أسماء بنت [ ص: 592 ] يزيد ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل الكذب إلا في ثلاث : يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، والكذب في الحرب ، والكذب ليصلح بين الناس" . فهذه الأحاديث قد أفادت أن الكذب كله محرم لا يحل منه شيء إلا هذه الثلاثة ، فإنه رخص فيها لما يحصل بذلك من المصالح ، ويندفع به من المفاسد ، والأولى ألا يكذب في هذه الثلاثة ، إذا وجد عنه مندوحة ؛ فإن لم توجد المندوحة أعملت الرخصة . وقد يجب ذلك بحسب الحاجة إلى تلك المصلحة ، والضرورة إلى دفع تلك المفسدة ، وما ذكرته هو - إن شاء الله - مذهب أكثر العلماء ، وقد ذهب الطبري إلى أنه لا يجوز الكذب الصريح بشيء من الأشياء ، لا في هذه الثلاثة ، ولا في غيرها ، متمسكا بالقاعدة الكلية في تحريمه ، وتأول هذه الأحاديث على التورية والتعريض ، وهو تأويل لا يعضده دليل ، ولا تعارض بين العموم والخصوص كما هو عن العلماء منصوص . وأما كذبة تنجي ميتا ، أو وليا ، أو أمما ، أو مظلوما ممن يريد ظلمه ، فذلك لا تختلف في وجوبه أمة من الأمم ، لا العرب ولا العجم .

                                                                                              و (قوله : " إن الرجل لا يزال يصدق ، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ") يتحرى الصدق : يقصد إليه ويتوخاه ، ويجتنب نقيضه الذي هو الكذب ، حتى يكون الصدق غالب حاله ، فيكتب من جملة الصديقين ، ويثبت في ديوانهم ، وكذلك القول في الكذب . وأصل الكتب : الضم والجمع ، ومنه : كتبت البغلة : إذا جمعت بين شفريها بحلقة .

                                                                                              [ ص: 593 ] و (قوله : " كتب في قلوبهم الإيمان [المجادلة: 22] جمعه وثبته ، و : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة: 21] أي : حكم وأوجب ، فكأنه جمع ما حكم به في المحكوم عليه ، وكتبت الكتاب : جمعت فيه المكتوب وثبته ، وقد تقدم القول في الصديق . وخرج أبو مسعود الدمشقي حديث عبد الله بن مسعود هذا ، وزاد فيه : " وإن شر الروايا روايا الكذب ، وإن الكذب لا يصلح فيه جد ولا هزل ، ولا يعد الرجل صاحبه فيخلفه " . وذكر أبو مسعود أن مسلما خرج هذه الزيادة ، ولم تقع لنا هذه الزيادة ، ولا لأحد من أشياخنا فيما علمناه ، وقال أبو عبد الله الحميدي : وليست عندنا . والروايا : جمع راوية ، يعني به : حامل الكذب وراويه ، والهاء فيه للمبالغة ، كعلامة ونسابة ، أو يكون استعارة ، شبه حامل الكذب لحمله إياه بالراوية الحاملة للماء . وفيه حجة للطبري في تحريمه الكذب مطلقا وعموما . وفيه ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد ، ولو كان بالشيء الحقير مع الصبي الصغير .




                                                                                              الخدمات العلمية