الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4774 [ 2566 ] وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأرواح أجناد مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".

                                                                                              وفي رواية : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود ..." وذكره .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 295 )، ومسلم (2638) (159 و 160)، وأبو داود (4834).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " الأرواح أجناد مجندة ") . قد تقدم القول في الروح والنفس في كتاب الطهارة . ومعنى أجناد مجندة : أصناف مصنفة . وقيل : أجناس مختلفة . ويعني بذلك أن الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا ؛ فإنها تتمايز بأمور وأحوال مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاص النوع الواحد ، وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها ، وتنفر من مخالفها ، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد تتآلف ، وبعضها تتنافر ، وذلك بحسب أمور تتشاكل فيها ، وأمور تتباعد فيها ، [ ص: 645 ] كالأرواح المجبولة على الخير والرحمة والشفقة والعدل ، فتجد من جبل على الرحمة يميل بطبعه لكل من كان فيه ذلك المعنى ، ويألفه ، ويسكن إليه ، وينفر ممن اتصف بنقيضه ، وهكذا في الجفاء والقسوة ، ولذلك قد شاع في كلام الناس قولهم : المناسبة تؤلف بين الأشخاص ، والشكل يألف شكله ، والمثل يجذب مثله .

                                                                                              وهذا المعنى هو أحد ما حمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " وعلى هذا فيكون معنى تعارف : تناسب . وقيل : إن معنى ذلك هو ما تعرف الله به إليها من صفاته ، ودلها عليه من لطفه وأفعاله ، فكل روح عرف من الآخر أنه تعرف إلى الله بمثل ما تعرف هو به إليه . وقال الخطابي : هو ما خلقها الله تعالى عليه من السعادة والشقاوة في المبدأ الأول .

                                                                                              قلت : وهذان القولان راجعان إلى القول الأول ، فتدبرهما .

                                                                                              ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فتش على الموجب لتلك النفرة ، وبحث عنه بنور العلم ؛ فإنه ينكشف له ، فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك ، أو في تضعيفه بالرياضة السياسية ، والمشاهدة الشرعية حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم ، فيميل لأهل [ ص: 646 ] الفضائل والعلوم ، وكذلك القول فيما إذا وجد ميلا لمن فيه شر ، أو وصف مذموم .

                                                                                              وقد تقدم القول على قوله : " الناس معادن " في كتاب المناقب .




                                                                                              الخدمات العلمية