الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4918 [ 2663 ] وعنه ; عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل . قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء .

                                                                                              رواه مسلم (2735) (92) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ (20) ومن باب : يستجاب للعبد ما لم يعجل أو يدعو بإثم ]

                                                                                              (قوله : " يستجاب للمسلم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ") يعني بالعبد : الصالح لقبول دعائه ، فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي ، وفي الدعاء ، وفي الشيء المدعو به ، فمن شرط الداعي بأن يكون عالما بأنه لا قادر على حاجته إلا الله تعالى ، وأن الوسائط في قبضته ، ومسخرة بتسخيره ، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب ، وأن يكون مجتنبا لأكل الحرام ، كما قدمناه ، وألا [ ص: 63 ] يحل من الدعاء فيتركه ويقول : قد دعوت فلم يستجب لي ، كما قال في الحديث . ومن شروط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعا ، كما قال : ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب ، ويدخل في قطيعة الرحم جميع حقوق المسلمين ، ومظالمهم . وقد بينا أن الرحم ضربان : رحم الإسلام ، ورحم القرابة . ويستحسر ، يعني : ويمل . يقال : حسر البعير يحسر ، ويحسر حسورا : أعيا . واستحسر وتحسر مثله . وفائدة هذا : استدامة الدعاء ، وترك اليأس من الإجابة ، ودوام رجائهما ، واستدامة الإلحاح في الدعاء ; فإن الله يحب الملحين عليه في الدعاء ، وكيف لا ؟ والدعاء مخ العبادة وخلاصة العبودية . والقائل : قد دعوت فلم أر يستجاب لي ، ويترك - قانطا - من رحمة الله ، وفي صورة الممتن بدعائه على ربه ، ثم إنه جاهل بالإجابة ، فإنه يظنها إسعافه في عين ما طلب ، فقد يعلم الله تعالى : أن في عين ما طلب مفسدة ، فيصرفه عنها ، فتكون إجابته في الصرف ، وقد يعلم الله أن تأخيره إلى وقت آخر أصلح للداعي ، وقد يؤخره لأنه سبحانه يحب استماع دعائه ، ودوام تضرعه ، فتكثر أجوره حتى يكون ذلك أعظم وأفضل من عين المدعو به لو قضي له ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث : إما أن يستجاب له ، وإما أن يدخر له ، وإما أن يكفر عنه " ، ثم بعد هذا كله فإجابة الدعاء - وإن وردت في مواضع من الشرع مطلقة - فهي مقيدة بمشيئته ، كما قال تعالى : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء [ الأنعام : 41 ]




                                                                                              الخدمات العلمية