[ 2893 ] عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ودنونا من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي المدينة آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ! قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان قد عرس من وراء الجيش ، فادلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ فذاك يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة وابنها أبي بكر الصديق ، فأقبلت أنا وبنت مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس فقلت لها : بئس ما قلت ! أتسبين رجلا قد شهد مسطح ! بدرا ؟ قالت : أي هنتاه ! أولم تسمعي ما قال ؟ قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : كيف تيكم ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ، ما يتحدث الناس ؟ فقالت : يا بنية ، هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها ! قالت : قلت : سبحان الله ! وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله . قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا . وأما فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك . قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : أي علي بن أبي طالب بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك من ؟ قالت له عائشة بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ! قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي ؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ! ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ! وما كان يدخل على أهلي إلا معي . فقام فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ! قالت : فقام سعد بن معاذ الأنصاري - وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية ، فقال سعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله ! فقام لسعد بن معاذ فقال أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - : كذبت لعمر الله ، لنقتلنه ; فإنك منافق تجادل عن المنافقين ! فثار الحيان لسعد بن عبادة الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت . قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي ! فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي . قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس . قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء .
قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال : أما بعد ، يا فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ; فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه ! قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي ، حتى ما أحس منه قطرة . عائشة
فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ! فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن ، إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به ، فإن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ يوسف : 18 ]
قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي . قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها .
قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه .
قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : أبشري يا ! أما الله فقد برأك . فقالت لي أمي : قومي إليه ! فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ; هو الذي أنزل براءتي ! قالت : عائشة إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم عشر آيات [ النور : 11 - 20 ] ، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي . فأنزل الله عز وجل :
قالت : فقال - وكان ينفق على أبو بكر لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال مسطح ! فأنزل الله عز وجل : لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى ، إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم [ النور : 22 ]
قال هذه أرجى آية في كتاب الله . عبد الله بن المبارك :
فقال : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ! فرجع إلى أبو بكر النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا . مسطح
قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري : ما علمت - أو : ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ! والله ما علمت إلا خيرا . زينب بنت جحش
قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها عائشة حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك .
قال : فهذا ما انتهى إلينا . الزهري
زاد في رواية : قال : كانت عروة تكره أن يسب حسان عندها ، وتقول : إنه قال : عائشة
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
وساق الحديث بقصته ، وفيه : ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل جاريتي ، فقالت : والله ما علمت عليها عيبا ، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها - أو قالت : خميرها - فانتهرها بعض أصحابه ، فقال : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! حتى أسقطوا لها به . فقالت : سبحان الله ! والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر ! وقد بلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له . فقال : سبحان الله ! والله ما كشفت عن كنف أنثى قط .
قالت : وقتل شهيدا في سبيل الله . عائشة
وكان الذين تكلموا به : ، مسطح وحمنة ، . وأما المنافق وحسان عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه ، وهو الذي تولى كبره وحمنة .
رواه أحمد (6 \ 195) ، والبخاري (4750) ، ومسلم في التوبة (2770) (56 - 58) ، والترمذي (3179) ، والنسائي (1 \ 163) .
[ ص: 365 ]