التقسيم الثالث : إن ، ولنخترع لها أربعة ألفاظ وهي : المترادفة والمتباينة والمتواطئة والمشتركة . أما المترادفة فنعني بها الألفاظ المختلفة والصيغ المتواردة على مسمى واحد كالخمر والعقار والليث والأسد والسهم والنشاب ، وبالجملة كل اسمين لمسمى واحد يتناوله أحدهما من حيث يتناوله الآخر من غير فرق . الألفاظ المتعددة بالإضافة إلى المسميات المتعددة على أربعة منازل
وأما المتباينة فنعني بها الأسامي المختلقة للمعاني المختلفة كالسواد والقدرة والأسد والمفتاح والسماء والأرض وسائر الأسامي وهي الأكثر . وأما المتواطئة فهي التي تنطلق على أشياء متغايرة بالعدد ولكنها متفقة بالمعنى الذي وضع الاسم عليها ، كاسم الرجل فإنه ينطلق على زيد وعمرو وبكر وخالد ، واسم الجسم ينطلق على السماء والأرض والإنسان ، لاشتراك هذه الأعيان في معنى الجسمية التي وضع الاسم بإزائها وكل اسم مطلق ليس بمعين كما سبق فإنه ينطلق على آحاد مسمياته الكثيرة بطريق التواطؤ كاسم اللون للسواد والبياض والحمرة فإنها متفقة في المعنى الذي به سمي اللون لونا وليس بطريق الاشتراك ألبتة .
وأما المشتركة فهي الأسامي التي تنطلق على مسميات مختلفة لا تشترك في الحد والحقيقة ألبتة ، كاسم العين للعضو الباصر وللميزان وللموضع الذي يتفجر منه الماء وهي العين الفوارة وللذهب والشمس وكاسم المشتري لقابل عقد البيع وللكوكب المعروف . ولقد ثار من ارتباك المشتركة بالمتواطئة غلط كثير في العقليات حتى ظن جماعة من ضعفاء العقول أن السواد لا يشارك البياض في اللونية إلا من حيث الاسم وأن ذلك كمشاركة الذهب للحدقة الباصرة في اسم العين وكمشاركة قابل عقد البيع للكوكب في المشتري ، وبالجملة الاهتمام بتمييز المشتركة عن المتواطئة مهم فلنزد له شرحا فنقول : الاسم المشترك قد يدل على المختلفين كما ذكرناه ، وقد يدل على المتضادين كالجلل للحقير والخطير والناهل للعطشان والريان والجون للسواد والبياض والقرء للطهر والحيض .
واعلم أن المشترك قد يكون مشكلا قريب الشبه من المتواطئ ويعسر على الذهن وإن كان في غاية الصفاء الفرق ولنسم ذلك متشابها ، وذلك مثل اسم النور الواقع على الضوء المبصر [ ص: 27 ] من الشمس والنار والواقع على العقل الذي به يهتدى في الغوامض ، فلا مشاركة بين حقيقة ذات العقل والضوء إلا كمشاركة السماء للإنسان في كونها جسما إذ الجسمية فيهما لا تختلف البتة مع أنه ذاتي لهما .
ويقرب من لفظ النور لفظ الحي على النبات والحيوان ، فإنه بالاشتراك المحض إذ يراد به من النبات المعنى الذي به نماؤه ومن الحيوان المعنى الذي به يحس ويتحرك بالإرادة ، وإطلاقه على الباري تعالى إذا تأملت عرفت أنه لمعنى ثالث يخالف الأمرين جميعا .
ومن أمثال هذه تتابع الأغاليط مغلطة أخرى قد تلتبس المترادفة بالمتباينة ، وذلك إذا أطلقت أسام مختلفة على شيء واحد باعتبارات مختلفة ربما ظن أنها مترادفة كالسيف والمهند والصارم ، فإن المهند يدل على السيف مع زيادة نسبة إلى الهند فخالف إذا مفهومه مفهوم السيف ، والصارم يدل على السيف مع صفة الحدة والقطع لا كالأسد والليث .
وهذا كما أنا في اصطلاحاتنا النظرية نحتاج إلى تبديل الأسامي على شيء واحد عند تبدل اعتباراته ، كما أنا نسمي العلم التصديقي الذي هو نسبة بين مفردين دعوى إذا تحدى به المتحدي ولم يكن عليه برهان إن كان في مقابلة خصم وإن لم يكن في مقابلة خصم سميناه قضية كأنه قضي فيه على شيء بشيء ، فإن خاض في ترتيب قياس الدليل عليه سميناه مطلوبا ، فإن دل بقياسه على صحته سميناه نتيجة فإن استعمله دليلا في طلب أمر آخر ورتبه في أجزاء القياس سميناه مقدمة ، وهذا ونظائره مما يكثر .
مثال الغلط في المشترك قول رحمه الله تعالى في مسألة الشافعي : " يلزمه القصاص لأنه مختار ويقول الحنفي " لا يلزمه القصاص لأنه مكره وليس بمختار " ويكاد الذهن لا ينبو عن التصديق بالأمرين ، وأنت تعلم أن التصديق بالضدين محال ، وترى الفقهاء يتعثرون فيه ولا يهتدون إلى حله . وإنما ذلك ; لأن اللفظ المختار مشترك ، إذ قد يجعل لفظ المختار مرادا ، فاللفظ القادر ومساويا له إذ قوبل بالذي لا قدرة له على الحركة الموجودة كالمحمول ، فيقال : هذا عاجز محمول ، وهذا قادر مختار ، ويراد بالمختار الذي يقدر على الفعل وتركه وهو صادق على المكره . المكره على القتل
وقد يعبر بالمختار عمن تخلى في استعمال قدرته ودواعي ذاته بلا تحرك دواعيه من خارج ، وهذا يكذب على المكره ونقيضه ، وهو أنه ليس بمختار يصدق عليه ، فإذا صدق عليه مختار وإنه ليس بمختار ولكن بشرط أن يكون مفهوم المختار المنفي غير مفهوم المختار المثبت . ولهذا نظائر في النظريات لا تحصى تاهت فيها عقول الضعفاء فليستدل بهذا القليل على الكثير .