مسألة الاسم المشترك بين مسميين لا يمكن دعوى العموم فيه
عندنا خلافا للقاضي لأن المشترك لم يوضع للجمع ، مثاله القرء للطهر ، والحيض ، والجارية للسفينة ، والأمة ، والمشترى للكوكب السعد وقابل البيع ، والعرب ما وضعت هذه الألفاظ وضعا يستعمل في مسمياتها إلا على سبيل البدل ، أما على سبيل الجمع فلا . نعم نسبة المشترك إلى مسمياته متشابهة ، ونسبة العموم إلى آحاد المسميات متشابهة ، لكن تشابه نسبة كل واحد من آحاد العموم على الجمع ، ونسبة كل واحد من آحاد المشترك على البدل ، وتشابه نسبة المفهوم في السكوت عن الجمع لا في الدلالة ، وتشابه نسبة الفعل في إمكان وقوعه على كل وجه إذ الصلاة المعينة إذا تلقيت من فعل النبي عليه السلام أمكن أن تكون فرضا ، ونفلا ، وأداء وقضاء ، وظهرا ، وعصرا ، والإمكان شامل بالإضافة إلى علمنا ، أما الواقع في نفسه ، وفي علم الله تعالى واحد متعين لا يحتمل غيره فهذه أنواع التشابه ، والوهم سابق إلى التسوية بين المتشابهات ، وأنواع هذا التشابه متشابهة من وجه فربما يسبق إلى بعض الأوهام أن العموم كان دليلا لتشابه نسبة اللفظ إلى المسميات ، والتشابه ههنا موجود فيثبت حكم العموم ، وهو غفلة عن تفصيل هذا التشابه ، وإن تشابه نسبة العموم إلى مسمياته في دلالته على الجمع بخلاف هذه الأنواع . احتج ، والشافعي بأنه لو ذكر اللفظ مرتين ، وأراد في كل مرة معنى آخر جاز ، فأي بعد في أن يقتصر على مرة واحدة ، ويريد به كلا المعنيين مع صلاح اللفظ للكل ؟ بخلاف ما إذا قصد بلفظ المؤمنين الدلالة على المؤمنين ، والمشركين جميعا فإن لفظ المؤمنين لا يصلح للمشركين بخلاف اللفظ المشترك . فنقول : إن قصد باللفظ الدلالة على المعنيين جميعا بالمرة الواحدة فهذا ممكن لكن يكون قد خالف الوضع كما في لفظ المؤمنين فإن العرب وضعت اسم العين للذهب ، والعضو الباصر على سبيل البدل لا على سبيل الجمع فإن قيل القاضي مثل النكاح للوطء ، والعقد ، واللمس للمس وللوطء حتى يحمل قوله : { اللفظ الذي هو حقيقة في شيء مجاز في غيره هل يطلق لإرادة معنييه جميعا ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } على وطء الأب ، وعقده جميعا وقوله تعالى : { أو لامستم النساء } على الوطء ، والمس جميعا قلنا : هذا عندنا كاللفظ المشترك .
وإن كان التعميم فيه أقرب قليلا وقد نقل عن رحمه الله أنه قال : أحمل آية اللمس على المس ، والوطء جميعا ، وإنما الشافعي قلنا : إن هذا أقرب لأن المس مقدمة الوطء ، والنكاح أيضا يراد للوطء فهو مقدمته ولأجله استعير للعقد اسم النكاح الذي [ ص: 241 ] وضع للوطء واستعير للوطء اسم اللمس ; فلتعلق أحدهما بالآخر ربما لا يبعد أن يقصدا جميعا باللفظ المذكور مرة واحدة ; لكن الأظهر عندنا أن ذلك أيضا على خلاف عادة العرب فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } ، والصلاة من الله مغفرة ، ومن الملائكة استغفار ، وهما معنيان مختلفان والاسم مشترك وقد ذكر مرة واحدة ، وأريد به المعنيان جميعا وكذلك قوله تعالى : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب } ، وسجود الناس غير سجود الشجر ، والدواب بل هو في الشجر مجاز قلنا : هذا يعضد ما ذكره رحمه الله ، ويفتح هذا الباب في معنيين يتعلق أحدهما بالآخر ، فإن طلب المغفرة يتعلق بالمغفرة ، لكن الأظهر عندنا أن هذا إنما أطلق على المعنيين بإزاء معنى واحد مشترك بين المعنيين ، وهو العناية بأمر الشيء لشرفه ، وحرمته ، والعناية من الله مغفرة ، ومن الملائكة استغفار ، ودعاء ، ومن الأمة دعاء وصلوات ، وكذلك العذر عن السجود . الشافعي