القول في شبه المنكرين للقياس ، والصائرين إلى حظره ، وهي سبع . شبه المنكرين للقياس ، والصائرين إلى حظره من جهة الكتاب ، والسنة ،
الأولى : تمسكهم بقوله تعالى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } ، وقوله : { تبيانا لكل شيء } قالوا : معناه بيانا لكل شيء مما شرع لكم ، فإنه ليس فيه بيان الأشياء كلها فليكن كل مشروع في الكتاب ، وما ليس مشروعا ، فيبقى على النفي الأصلي .
والجواب من أوجه الأول : أنه أين في كتاب الله تعالى مسألة الجد ، والإخوة ، والعول ، والمبتوتة ، والمفوضة ، وأنت علي حرام ، وفيها حكم لله تعالى شرعي اتفق الصحابة على طلبه ، والكتاب بيان له إما بتمهيد طريق الاعتبار أو بالدلالة على الإجماع ، والسنة ، وقد ثبت القياس بالإجماع ، والسنة ، فيكون الكتاب قد بينه .
الثاني : أنكم حرمتم القياس ، وليس في كتاب الله تعالى بيان تحريمه ، فيلزمكم تخصيص قوله تعالى لكل شيء كما خصص قوله : { خالق كل شيء } { وأوتيت من [ ص: 295 ] كل شيء } و { تدمر كل شيء }
الثانية : قوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ، وهذا حكم بغير المنزل . قلنا :
القياس ثابت بالسنة ، والإجماع ، وقد دل عليه الكتاب المنزل ، كيف ، ومن حكم بمعنى استنبط من المنزل فقد حكم بالمنزل ؟ ثم هذا خطاب مع الرسول عليه السلام ، وقد قاسوا عليه غيره فأقروا بالقياس في معرض إبطال القياس مع انقداح الفرق إذ قال قوم : لم يجز الاجتهاد للرسول عليه السلام كي لا يتهم ; ولأنه كان يقدر على التبليغ بالوحي بخلاف الأمة .
، وهذا الجواب أيضا عن قوله : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } { ومن لم يحكم بما أنزل الله }
الثالثة : قوله تعالى : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } { ولا تقف ما ليس لك به علم } ، و { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } { إن بعض الظن إثم } قلنا : إذا علمنا أنا إذا ظننا كون زيد في الدار حرم علينا الربا في البر ثم ظننا كان الحكم مقطوعا به لا مظنونا كما إذا ظن القاضي صدق الشهود ، وكما في القبلة ، وجزاء الصيد ، وأبواب تحقيق مناط الحكم ، ثم نقول : هذا عام أراد به ظنون الكفار المخالفة للأدلة القاطعة .
ثم نقول : ألستم قاطعين بإبطال القياس مع أنا نقطع بخطئكم ؟ فلا تحكموا بالظن ، وليس من الجواب المرضي قول القائل : الظن علم في الظاهر ، فإن العلم ليس له ظاهر ، وباطن .
الرابعة : قوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } قالوا : وأنتم تجادلون في القياس قلنا : وأنتم تجادلون في نفيه ، وإبطاله فإن قلتم : أراد به الجدال الباطل فهو عذرنا ، فإنه رد عليهم في جدالهم بخلاف النص حيث قالوا : نأكل مما قتلناه ، ولا نأكل مما قتله الله ، وكما قاسوا الربا على البيع فرد الله تعالى عليهم في قولهم : { إنما البيع مثل الربا } .
الخامسة : قوله : { فردوه إلى الله والرسول } قالوا : وأنتم تردون إلى الرأي . قلنا : لا بل نرده إلى العلل المستنبطة من نصوص النبي عليه السلام ، والقياس عبارة عن تفهم معاني النصوص بتجريد مناط الحكم ، وحذف الحشو الذي لا أثر له في الحكم ، وأنتم فقد رددتم القياس من غير رد إلى نص النبي عليه السلام ، ولا إلى معنى مستنبط من النص .
السادسة : قوله عليه السلام : { } قلنا أراد به الرأي المخالف للنص بدليل قوله : { تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب ، وبرهة بالسنة ، وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا } ، وما نقلوا من آثار الصحابة في ذم الرأي ، والقياس قد تكلمنا عليه . ستفترق أمتي نيفا وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ، ويحرمون الحلال
السابعة : قول الشيعة ، وأهل التعليم إنكم اعترفتم ببطلان القياس بخلاف النص ، والنصوص محيطة بجميع المسائل ، وإنما يعلمها الإمام المعصوم ، وهو نائب الرسول ، فيجب [ ص: 296 ] مراجعته ، قالوا : ولا يمنع من هذا كون الوقائع غير متناهية ، وكون النصوص متناهية ; لأن التي لا تتناهى أحكام الأشخاص كحكم زيد ، وعمرو في أنه عدل تقبل شهادته أم لا ، وفقير تصرف إليه الزكاة أم لا ، ومسلم أن هذا يعرف بالاجتهاد ; لأنه يرجع إلى تحقيق مناط الحكم ، أما الروابط الكلية للأحكام فيمكن ضبطها بالنص بأن نقول مثلا : من سرق نصابا كاملا من حرز مثله لا شبهة له فيه ، فيلزمه القطع ، ومن أفطر في نهار رمضان بجماع تام أثم به لأجل الصوم . لزمته الكفارة ; فما تناولته الرابطة الجامعة يجري فيه الحكم ، وما خرج عنه مما لا يتناهى يبقى على الحكم الأصلي فتكون محيطة بهذه الطرق .
والجواب أنا لا نسلم بطلان القياس مع النص ، ونسلم إمكان الربط بالضوابط ، والروابط الكلية ، لكنكم اخترعتم هذه الدعوى ، فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسألة الجد ، والحرام ، والمفوضة ، ومسائل كثيرة ، وكانوا يطلبون من سمع فيها حديثا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيهم المعصوم بزعمكم ، وكانوا يشاورونه ، ويراجعونه فتارة وافقوه ، وتارة خالفوه ، ولم ينقل قط حديثا ، ولا نصا إلا ساعدوه ، بل قبلوا النقل من كل عدل فضلا عن الخلفاء الراشدين ، فلم كتم النص عنهم في بعض المسائل ، وتركهم مختلفين إن كانت النصوص محيطة ؟ فبالضرورة يعلم من اجتهادهم ، واختلافهم أن النصوص لم تكن محيطة ، فدل هذا أنهم كانوا متعبدين بالاجتهاد .