أما فهي كثيرة ، ولعل جل أقيسة الفقهاء ترجع إليها ، إذ يعسر إظهار تأثير العلل بالنص والإجماع والمناسبة المصلحية . أمثلة قياس الشبه
المثال الأول : قول مسح الرأس لا يتكرر " تشبيها له بمسح الخف والتيمم ، والجامع أنه مسح فلا يستحب فيه التكرار قياسا على التيمم ومسح الخف . أبي حنيفة
ولا مطمع فيما ذكره أبو زيد من تأثير المسح ، فإنه أورد هذا مثالا للقياس المؤثر ، وقال : ظهر تأثير المسح في التخفيف في الخف والتيمم ، فهو تعليل بمؤثر وقد غلط فيه إذ ليس يسلم أن الحكم في الأصل معلل بكونه مسحا بل لعله تعبد ولا علة له أو معلل بمعنى آخر مناسب لم يظهر لنا . الشافعي
والنزاع واقع في علة الأصل ، وهو أن مسح الخف لم لا يستحب تكراره ، أيقال إنه تعبد لا يعلل ؟ ; أو لأن تكراره يؤدي إلى تمزيق الخف ؟ ; أو لأنه وظيفة تعبدية تمرينية لا تفيد فائدة الأصل إذ لا نظافة فيه لكن وضع لكي لا تركن النفس إلى الكسل ؟ ; أو لأنه وظيفة على بدل محل الوضوء لا على الأصل ؟ فمن سلم أن العلة المؤثرة في الأصل هي المسح يلزمه يقول : أصل يؤدى بالماء فيتكرر كالأعضاء الثلاثة ، فكأنه يقول : هي إحدى الوظائف الأربع في الوضوء ; فالأشبه التسوية بين الأركان الأربعة ، ولا يمكن ادعاء التأثير والمناسبة في العلتين على المذهبين ، ولا ينكر تأثير كل واحد من الشبهين في تحريك الظن إلى أن يترجح . فالشافعي
المثال الثاني : قال رحمه الله [ ص: 318 ] في مسألة النية طهارتان فكيف يفترقان ؟ وقد يقال : طهارة موجبها في غير محل موجبها فتفتقر إلى النية كالتيمم وهذا يوهم الاجتماع في مناسب هو مأخذ النية وأن يطلع على ذلك المناسب . الشافعي
المثال الثالث : تشبيه الأرز والزبيب بالتمر والبر لكونهما مطعومين أو قوتين ، فإن ذلك إذا قوبل بالتشبيه بكونهما مقدرين أو مكيلين ظهر الفرق ، إذ يعلم أن الربا ثبت لسر ومصلحة والطعم والقوت وصف ينبئ عن معنى به قوام النفس ، والأغلب على الظن أن تلك المصلحة في ضمنهما لا في ضمن الكيل الذي هو عبارة عن تقدير الأجسام .
والمثال الرابع : تعليلنا وجوب الضمان في يد السوم بأنه أخذ لغرض نفسه من غير استحقاق ونعديه إلى يد العارية ، وتعليل بأنه أخذ على جهة الشراء والمأخوذ على جهة الشراء كالمأخوذ على حقيقته ويعديه إلى الرهن ، فكل واحدة من العلتين ليست مناسبة ولا مؤثرة إذ لم يظهر بالنص أو الإجماع إضافة الحكم إلى هذين الوصفين في غير يد السوم ، وهو في يد السوم متنازع فيه . أبي حنيفة
المثال الخامس : قولنا : إن قليل أرش الجناية يضرب على العاقلة ; لأنه بدل الجناية على الآدمي كالكثيرة ، فإنا نقول : ثبت ضرب الدية وضرب أرش اليد والأطراف ونحن لا نعرف معنى مناسبا يوجب الضرب على العاقلة فإنه على خلاف المناسب ، لكن يظن أن ضابط الحكم الذي تميز به عن الأموال هو أنه بدل الجناية على الآدمي فهو مظنة المصلحة التي غابت عنا .
المثال السادس : قولنا في مسألة التبييت : إنه صوم مفروض فافتقر إلى التبييت كالقضاء ، وهم يقولون : صوم عين فلا يفتقر إلى التبييت كالتطوع ، وكأن الشرع رخص في التطوع ومنع من القضاء ، فظهر لنا أن فاصل الحكم هو الفرضية فهذا وأمثاله مما يكثر شبهه ، ربما ينقدح لبعض المنكرين للشبه في بعض هذه الأمثلة إثبات العلة بتأثير أو مناسبة أو بالتعرض للفارق وإسقاط أثره فيقول : هي مأخذ الذي ظهر لهذا الناظر ، وعند انتفائه يبقى ما ذكرناه من الإيهام وهو كتقديرنا في تمثيل المناسب بإسكار الخمر عدم ورود الإيماء في قوله تعالى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء } والمقصود أن المثال ليس مقصودا في نفسه ; فإن انقدح في بعض الصور معنى زائد على الإيهام المذكور فليقدر انتفاؤه هذا حقيقة الشبه وأمثلته .