بيان كيفية اندراج الشعب الكثيرة من أصول الفقه تحت هذه الأقطاب الأربعة
لعلك تقول أصول الفقه تشتمل على أبواب كثيرة وفصول منتشرة فكيف يندرج جملتها تحت هذه الأقطاب الأربعة ؟ فنقول : . القطب الأول : هو الحكم
وللحكم حقيقة في نفسه وانقسام ، وله تعلق بالحاكم وهو الشارع والمحكوم عليه وهو المكلف وبالمحكوم فيه وهو فعل المكلف وبالمظهر له وهو السبب والعلة ، ففي البحث عن حقيقة الحكم في نفسه يتبين أنه عبارة عن خطاب الشرع وليس وصفا للفعل ولا حسن ولا قبح ولا مدخل للعقل فيه ولا حكم قبل ورود الشرع ، وفي البحث عن أقسام الحكم يتبين حد الواجب والمحظور والمندوب والمباح والمكروه والقضاء والأداء والصحة والفساد والعزيمة والرخصة وغير ذلك من أقسام الأحكام . وفي البحث عن الحاكم يتبين أن لا حكم إلا لله وأنه لا حكم للرسول ولا للسيد على العبد ولا لمخلوق على مخلوق ، بل كل ذلك حكم الله تعالى ووضعه لا حكم لغيره . وفي البحث عن المحكوم عليه يتبين خطاب الناسي والمكره والصبي ، وخطاب الكافر بفروع الشرع ، وخطاب السكران ومن يجوز تكليفه ومن لا يجوز . وفي البحث عن المحكوم فيه يتبين أن الخطاب يتعلق بالأفعال لا بالأعيان وأنه ليس وصفا للأفعال في ذواتها . وفي البحث عن مظهر الحكم يتبين حقيقة السبب والعلة والشرط والمحل والعلامة ، فيتناول هذا القطب جملة من تفاريق فصول الأصول أوردها الأصوليون مبددة في مواضع شتى لا تتناسب ولا تجمعها رابطة ، فلا يهتدي الطالب إلى مقاصدها ووجه الحاجة إلى معرفتها وكيفية تعلقها بأصول الفقه . . وفي البحث عن أصل الكتاب يتبين حد الكتاب وما هو منه وما ليس منه ، وطريق إثبات الكتاب وإنه التواتر فقط وبيان ما يجوز أن يشتمل عليه الكتاب من حقيقة ومجاز وعربية وعجمية . وفي البحث عن السنة يتبين حكم الأقوال والأفعال من الرسول وطرق ثبوتها من تواتر وآحاد وطرق روايتها من مسند ومرسل وصفات رواتها من عدالة وتكذيب ، إلى تمام كتاب الأخبار . ويتصل بالكتاب والسنة كتاب النسخ فإنه لا يرد إلا عليهما ، وأما الإجماع فلا يتطرق النسخ إليه . وفي البحث عن أصل الإجماع تتبين حقيقته ودليله وأقسامه وإجماع الصحابة وإجماع من بعدهم إلى جميع مسائل الإجماع القطب الثاني : في المثمر ، وهو الكتاب والسنة والإجماع . القطب الثالث : في طرق الاستثمار
وهي أربعة الأولى : ، وبه يتعلق النظر في صيغة الأمر والنهي والعموم والخصوص والظاهر والمؤول والنص . والنظر في كتاب الأوامر والنواهي والعموم والخصوص نظر في مقتضى الصيغ اللغوية وأما دلالة اللفظ من حيث صيغته فيشتمل عليه كتاب المفهوم ودليل [ ص: 9 ] الخطاب ، وأما الدلالة من حيث الفحوى والمفهوم فيتضمن جملة من إشارات الألفاظ كقول القائل : أعتق عبدك عني ، فتقول : أعتقت ، فإنه يتضمن حصول الملك للملتمس ولم يتلفظا به لكنه من ضرورة ملفوظهما ومقتضاه . وأما الدلالة من حيث ضرورة اللفظ واقتضاؤه فهو كقوله صلى الله عليه وسلم : { الدلالة من حيث معقول اللفظ } فإنه يدل على الجائع والمريض والحاقن بمعقول معناه ، ومنه ينشأ القياس وينجر إلى بيان جميع أحكام القياس وأقسامه . لا يقضي القاضي وهو غضبان وفي مقابلته المقلد ، وفيه يتبين صفات المجتهد وصفات المقلد والموضع الذي يجري فيه الاجتهاد دون الذي لا مجال للاجتهاد فيه والقول في تصويب المجتهدين وجملة أحكام الاجتهاد . فهذه جملة ما ذكر في علم الأصول وقد عرفت كيفية انشعابها من هذه الأقطاب الأربعة القطب الرابع : في المستثمر ، وهو المجتهد