المبحث الخامس [ ما ثبت به حجية الإجماع    ] . الخامس : في أنه ثبتت حجته ، وقد اختلف فيه فقيل : دل عليه العقل ، والجمهور على أنه السمع ، وصححه القاضي  ، وابن السمعاني  وغيرهما . وقال صاحب " المصادر " : إنه قول الأكثرين ، ومنعوا ثبوته من جهة العقل ; لأن العدد الكثير وإن بعد في العقل اجتماعهم على الكذب ، فلا يبعد اجتماعهم على الخطأ ، كاجتماع الكفار على جحد النبوة وغير ذلك ولا يصح الاستدلال عليه بالإجماع ، فإن الشيء لا يثبت بنفسه ، ولا الاستدلال عليه بالقياس ، فإنه مظنون ، ولا يحتج بالمظنون على القطعي ، وكلام  الشافعي  في الرسالة " البغدادية يقتضي ثبوته بالإجماع . فإنه  [ ص: 387 ] قال عقب ما ذكره من أدلة السنة : ولا نعلم أحدا من أهل بلدنا يرضاه ، وحمل عنه إلا صار إلى قولهم مما لا سنة فيه . ا هـ ، ويمكن تأويله . وقال  القاضي أبو بكر    : لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد  قياسا على السنة ; لأنا لم نتعبد بالقياس في أصول الشريعة ، فلم يبق إلا دليل النقل من الكتاب والسنة ، وقد أكثر منه الأئمة . وزاد الغزالي  ثالثا ، وهو طريق المعنى ، فإن الصحابة إذا قضوا بقضية وقطعوا بها ، فلا يكون إلا عن مستند قاطع ، فإن العادة تحيل تثبيتهم قاعدة الدين بغير قطعي ، وإلا لزم القدح فيهم ، وهو منتف ، وحكى سليم  ، وابن السمعاني  وجها ثالثا ، أن العقل والسمع دلا عليه . 
وفرع عليه الجويني  في المحيط ، وابن السمعاني  إجماع الأمم السابقة ، هل هو كإجماع هذه الأمة  ؟ والصحيح المنع ، فإن إجماع هذه الأمة معصوم من الخطأ . ونقل بعضهم عن الجمهور أن دليل الإجماع سمعي ، والعقلي مؤكد له ، وهو إحالة العادة خطأ الجم الغفير في حكم لا يثبته أحد ; لموقع الخطأ فيه ، وأن النصوص شهدت بعصمتهم ، فلا يقولون إلا حقا ، سواء استندوا في قولهم إلى قاطع أو مظنون ، وطريقة إمام الحرمين  تقتضي أنه ليس دليلا لنفسه ، ولكنه دليل الدليل ، لكن دلالته على الدليل دلالة قطعية عادية عندهم ، وهو قريب مما سبق عن الغزالي    .  [ ص: 388 ] 
تنبيه [ وجه وضع الإجماع في أصول الفقه    ] قيل : إن هذه المسألة ليست من صناعة الأصولي ، كما لا يلزم تثبيت الكتاب والسنة ، فلذلك ينبغي أن لا يلزمه تثبيت الإجماع . وأجيب بأن الإجماع لما كان أمرا راجعا إلى السنة موجودا فيها بالاسترواح لا بالنص ، وبالقوة لا بالفعل ، احتاج إلى تثبته وإخراجه من تلك القوة إلى الفعل حتى يصير أصلا ثالثا من الأصول الأول ، ينزل منزلة الكتاب والسنة في التبيان والظهور . 
				
						
						
