تقدم الأمر على وقت المأمور به
وقال في " التقريب " : قال المحققون من أصحابنا : الأمر قبل حدوث الفعل المأمور به أمر إيجاب وإلزام ، ولكنه يتضمن الاقتضاء والترغيب والدلالة على امتثال المأمور به . القاضي أبو بكر
قال : وذهب بعض من ينتمي إلى الحق إلى أن الأمر حقيقة إذا قارن حدوث الفعل ، وإذا تقدم عليه فهو أمر إنذار ، وإعلام الوجوب عند الوقوع ، وهذا باطل .
والذي نختاره : تحقق الوجوب قبل الحدوث وفي حال الحدوث ، وإنما يفترق الحالتان في أمر . وهو أنه حالة المقارنة وإن تعلق به لكن لا يقتضي ترغيبا واقتضاء ، بل يقتضي كونه طاعة بالأمر المتعلق به .
وزعمت القدرية بأسرها : أن الفعل في حال حدوثه يستحيل أن يكون مأمورا به . ولا يتعلق به الأمر إلا قبل وجوده . ثم طردوا مذهبهم في جملة الأحكام الشرعية ، فلم يصفوا كائنا يحظر ، ولا وجوب ولا ندب ، وإنما أثبتوا هذه الأحكام قبل تحقق الحدوث ، ثم حكى الخلاف الذي سبق عن القاضي عبد الوهاب ، ومنه أخذ القاضي عبد الوهاب .
واختار الرازي : أن الأمر إنما يكون أمرا حال الفعل ، وقبله إعلام [ ص: 155 ] بالأمر ، وليس بأمر ، وكذلك اختاره من الحنابلة . ابن عقيل
ورد عليهم بأن الفعل يجب بالأمر ، فلو لم يكن ما يقدمه أمرا لاحتاج مع الفعل إلى تجديد أمر .
وأما الحال ، أي : حالة وقوع الفعل ، فقال أصحابنا : يوصى بكونه مأموما به . قال ابن برهان : وهو قول أهل السنة ، ونفاه المعتزلة ، وكذا حكاه ، القاضي أبو بكر والقاضي عبد الوهاب ، وإلكيا الطبري وغيرهم .
ونقل عن المعتزلة أنه لا يتعلق الأمر بالفعل حال حدوثه ، ولا بد أن يكون متقدما على وقت الفعل ، وينقطع التعلق منه حال المباشرة .
وذكر الإمام في " البرهان " عن الشيخ أبي الحسن الأشعري أن الفعل في حال حدوثه مأمور به ، ثم علله بما يقتضي أنه ليس مأمورا به . وهذا هو الذي يقتضيه أصله في أن الاستطاعة مع الفعل لا قبله . وأما أصله الآخر ، وهو جواز تكليف ما لا يطاق ، فهو يقتضي جواز فلعله بناه على عدم الوقع . التكليف بالفعل قبل الاستطاعة
ونقل ابن الحاجب عن الشيخ عدم انقطاع التكليف حال حدوث الفعل وليس بجيد ، فليس للشيخ في المسألة صريح كلام ، وإنما تلقي من قضايا مذهبه .
وقد نقل الإمام فخر الدين عنه أنه مكلف حال المباشرة ، كذا قاله الهندي . [ ص: 156 ]
وقال الأصفهاني المتأخر في مصنفه " المفرد " في هذه المسألة : اعلم أن الأصوليين من الأشعرية والمعتزلة متفقون على أن المأمور بالفعل على وجه الامتثال إنما يكون مأمورا عند القدرة والاستطاعة ، لكن للمعتزلة أصل : وهو أن الحادث لا يكون متعلقا للقدرة حال حدوثه كالباقي المستمر الوجود ، فإنه لا يكون متعلقا للقدرة . وللشيخ أصل ، وهو أن القدرة الحادث تقارن المقدور الحادث ولا تسبقه ، لأن القدرة الحادثة عرض ، والعرض استحال بقاؤه ، فلو تقدمت القدرة الحادثة على وجود الحادث ، لعدمت عند وجود الحادث ضرورة استحالة بقائها ، فلا يكون الحادث متعلقا للقدرة .
فلزم على أصل الشيخ : أن المأمور إنما يصير مأمورا بالفعل حال حدوثه لا قبله .
ولزم على أصل المعتزلة : أنه إنما يكون مأمورا بالفعل قبل حدوثه لا حالة حدوثه .
قال إمام الحرمين : لا حاصل لمتعلق حكم الأمر بالقدرة على مذهب أبي الحسن ، فإن القاعد في حال قعوده مأمور بالقيام باتفاق أهل الإسلام ، ولا قدرة له على القيام فكيف يتصور تعلق الأمر بالقدرة ومن لا قدرة له مأمور عنده ؟ قال : وهذا هو سبب اختلاف نقل صاحب " المحصول " و " الإحكام " ، فكأن الإمام فخر الدين اعتبر مذهب الأصوليين من أصحاب الشيخ ، والآمدي اعتبر ما قاله إمام الحرمين ، وهو أن القاعد في حال القعود مأمور بالقيام بالاتفاق ، فحصل الخلاف بين نقليهما . ا هـ . [ ص: 157 ]
وأما فإنه نسب خلاف ابن الحاجب المعتزلة للشيخ أبي الحسن ، وجعل إمام الحرمين موافقا للمعتزلة ، ورد ما نسبه إلى الشيخ ، فقال : قال الشيخ الأشعري : لا ينقطع التكليف بالفعل حال حدوثه ، واختاره وزيف قول الشيخ بأن قال : إن أراد الشيخ بعدم انقطاع التكليف حال حدوث الفعل أن تعلق التكليف بالفعل لنفس التكليف ، وما يتعلق لنفسه بالشيء امتنع انقطاعه عنه . فيلزم أن لا ينقطع التكليف بعد حدوث الفعل أيضا ، وهو باطل بالإجماع وإن أراد الشيخ أن تنجيز التكليف أي : كون المكلف مكلفا بالإتيان بالفعل حال حدوثه لعدم صحة الابتلاء ، لأن الابتلاء إنما يصح قبل الشروع في الفعل فينتفي فائدة التكليف ، لأن فائدة التكليف إما الامتثال أو الابتلاء وكل واحد منهما منتف . ولقائل أن يقول : مراد الشيخ أن التكليف حال حدوث الفعل تكليف بالإتيان بالكلي المجموعي ، لا بإيجاد واحد من أجزاء الفعل ، فلا يكون التكليف حال الحدوث تكليفا بإيجاد الموجود ، لأن الكلي المجموعي لم يوجد حال حدوث الفعل فلم يمتثل بالكلية .
فإن قيل : ما وجد من الفعل فقد انقطع عنه التكليف فيكون تعليق التكليف بالباقي ، بالمجموع من حيث هو مجموع .
قلنا : التكليف بالذات قد تعلق بالمجموع من حيث هو مجموع وبأجزائه بالعرض ، فما لم يحدث لم ينقطع التكليف وقال المازري : مذهب الأشعري أن القدرة المحدثة لا تتقدم المقدور ، وعنده أن الأمر يتقدم الفعل المأمور به ويقارنه . وألزمه الإمام كون المكلف مأمورا بالقيام غير مقدور له قبل شروعه فيه ، ومع هذا فهو مأمور به ، [ ص: 158 ] فقد صار المأمور به غير مرتبط بكونه مقدورا عليه ، وهذا غير لازم لشيخ ، لأنه إذا استدل على صحة تعلق القدرة به لم يلزم أن يقول : إن عدم تعلقها به بعدم تعلق الأمر به ، لأن هذا عكس الاستدلال ، وهو غير لازم .
وقال إلكيا : اختلفوا في أن فقال أصحاب الحادث حال حدوثه هل يكون مأمورا به ؟ الأشعري : مأمور به في تلك الحالة . وقالت المعتزلة : مأمور به قبل الحدوث ، وإذا حدث خرج عن أن يكون مأمورا به ، لأن الأمر استدعى التحصيل ، والحاصل لا يحصل .
وأصحابنا بنوا ذلك على أن الاستطاعة مع الفعل ، وأن المعدوم مأمور به ، وعلى هذا فلا أمر عندهم قبل الفعل ، وإنما هو إعلام على معنى تعلق الأمر الأزلي به انتهى .
وقال ابن برهان : الحادث حال حدوثه مأمور به خلافا للمعتزلة . ا هـ .
ولم يتعرض للخلاف قبل الحدوث .
واعلم أنا إذا فسرنا حال حدوث الفعل بأنه أول زمن وجوده صح التكليف به ، وكان في الحقيقة تكليفا بإتمامه وإيجاده بما لم يوجد منه ، وإن أريد بحال حدوثه زمن وجوده من أوله إلى آخره لم يصح مطلقا ، بل يصح في أول زمن وجوده وإن كلف بإتمامه كما مر ، وعند آخر زمن وجوده يكون قد وجد وانقضى ، فيصير من باب إيجاد الموجود ، وهو محال .
وهذا المبحث ينزع إلى مسألة الحركة وأنها تقبل أم لا ؟ وكأن الخلاف فيها لفظي ، لأن من أجاز التكليف علقه بأول زمن الحدوث ومن منعه علقه بآخره .
واعلم أن للقرافي في المسألة طريقة أخرى ، وهي أن قول الأشعرية : الأمر يتعلق حال الملابسة ، ليس المراد أن حصول زمان الملابسة شرط في [ ص: 159 ] تعلق الأمر ، بل الأمر متعلق في الأزل ، فضلا عما قبل زمن الحدوث ، وإنما البحث هاهنا عن صفة ذلك التعلق المتقدم لما تعلق في الأزل كيف تعلق ؟ هل تعلق بالفعل زمن الملابسة أو قبله ؟ فالتعلق سابق ، والطلب متحقق ، والمكلف مأمور بأن يعمر زمانا بوجود الفعل بدلا عن عدمه ، وهو زمن الملابسة ، فإن لم يفعل ذلك في الزمن الأول أمر به في الزمن الثاني كذلك إلى آخر العمر إن كان الأمر موسعا ، وإن كان على الفور فهو مأمور بأن يجعل الزمن الذي يلي زمان الأمر وجود الفعل ، فإن لم يفعل فهو عاص ، فزمن الملابسة ذكر لبيان صفة الفعل ، لا لأنه شرط التعلق ، وإنما يلزم نفي العصيان لو كان شرطا في التعلق .
قال : وبهذا التقرير يظهر عدم ورود الاستشكال المشهور على هذا القول أنه يؤدي إلى سلب التكاليف ، إذ لو كان حصول الملابسة شرطا في تعلق الأمر لم يكن أحد عاصيا ، لأنه يقول : الملابسة شرط في كونه مأمورا ، وأنا لا ألابس الفعل ، فلا يكون عاصيا ، وذلك خلاف الإجماع فظهر أن التحقيق ما تقدم . ا هـ . [ حاصل ما تقدم ]
وحاصله : أن الأمر تعلق من الأزل بالفعل زمن الملابسة ، وقيل : زمن الملابسة ، وقيل : زمان ورود الصيغة تعلق مطالبة في الزمن الذي يلي ورود الصيغة ، فإن لابس تعلق الأمر حال الملابسة ، وإن أخر فإن كان الأمر مضيقا تعلق بالتأخير التأثيم وإن كان موسعا إلى أن لا يبقى من زمن السعة إلا قدر ما يسع الفعل تضيق ، وجاء التأثيم ، ولم يذكر هو إلا المضيق ، ولكن يحتمله كلامه .
وأما الماضي وهو تعلق التكليف بالفعل بعد حدوثه كالحركة بعد [ ص: 160 ] انقضائها بانقضاء المتحرك فممتنع اتفاقا ، لأنه تكليف بإيجاد الموجود ، ولا يوصف بهذه الأوصاف إلا مجازا باعتبار ما كان عليه ، وقال المازري : يوصف قبل وجوده بأنه مأمور به ومطلوب ، وأما قبل وجوده فلا يصح وصفه بالاقتضاء والترغيب ، لأنه إنما يمكن مما لم يوجد . والحاصل لا يطلب .
وهذا كقول المتكلمين : إن النظر يضاد العلم بالمنظور فيه ، لأن النظر بحث عن العلم وابتغاء له ، والحاصل لا يطلب ، ويصح وصفه بأنه طاعة ، وهل يصح وصفه بأنه مأمور به حال وقوعه ؟ فيه الخلاف بيننا وبين المعتزلة وهم ينفونه . وأما تقضي الفعل فيصح وصفه بما سبق على معنى أنه كان عليها . وإذا قلنا : إنه حال الإيقاع وقبله مأمور به ، فهل تعلق الأمر بهاتين الحالتين يكون متعلقا متساويا ؟ على مذهبين :
أحدهما : نعم . فيتعلق الأمر بهما تعلق إيجاب وإلزام ، وحكاه القاضي في " مختصر التقريب " عن المحققين من أصحابنا .
والثاني : أنه حال الوقوع تعلق إلزام ، وأما قبله تعلق إعلام بأنه سيصير في زمان الحال مأمورا ، ونسبه القاضي إلى بعض من ينتمي إلى الحق . قال : هو باطل .
وادعى القرافي أن إمام الحرمين قال فيه : إنه لا يرتضيه لنفسه عاقل .
وقال القاضي : والذي نختاره تحقق الوجوب على الحدوث ، وفي حالة الحدوث ، وإنما يفترق الحال في الترغيب والاقتضاء والدلالة ، فإن ذلك يتحقق قبل الفعل ، ولا يتحقق منه ، وما أبطله القاضي اختاره الإمام الرازي [ ص: 161 ] في " المحصول " . ولأجله قال في " المنهاج " : التكليف يتوجه حالة المباشرة ، وهو قضية نقل البيضاوي إمام الحرمين عن الأصحاب .
واختار إمام الحرمين والغزالي مذهب المعتزلة ، ورأيا أن الفعل حال الإيقاع لا يتعلق الأمر به ، ومدركهم فيه خلاف مدرك المعتزلة ، فالمعتزلة بنوه على أصلهم : أن القدرة تتقدم على الفعل وانقطاع تعلقها حال وجوده ، وأما الإمام فكاد يوافقهم ، لأنه يقول : ما ليس بمقدور لا يؤمر به من يثبت قدرة ، ويقول : الحال غير مقدور فلزم تقدم القدرة ، فصرح من أجلها بتوجه الأمر قبل الفعل وانقطاعه معه .
وأما الغزالي فإنه سلم مقارنة القدرة للمقدور ، ووافق مع هذا على انتفاء الأمر حال الوقوف ، فتوافقا في الأصل ، وتخالفا في الفروع ، ثم اعتمد هو وإمامه على أن حقيقة الأمر الاقتضاء والطلب ، والحاصل لا يطلب .
وجوابه : أنه غير مقتضى حال الإيقاع ، ولكنه مع هذا مأمور به بمعنى أنه طاعة وامتثال ، وهذا لا ينكره أحد ، لأن الطاعة موافقة الأمر ، وهذا موافق .
والحاصل : أن الإمام والغزالي قد رأوا أن لا حقيقة للأمر إلا الاقتضاء ، وقد يطلب ، فبطل بنفسه ، وتبعهم ، وليس [ ص: 162 ] كذلك ، بل له حقيقة ، وهو كونه مأمورا به ، وقد اعترض على من قال بتوجه الأمر قبل الفعل على سبيل الإعلام والإلزام بأنه يؤدي إلى أن لا يعصي بترك المأمور به ، لأنه إن أتى به فذاك ، وإلا فهو غير مكلف . ابن الحاجب
وأجيب عنه بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، والتارك مباشر للترك ، وهو فعل منهي عنه حرام ، فإثمه من هذه الجهة ، وعلى ما سبق من طريقة القرافي لا إشكال .
وقال الشيخ شمس الدين الأصفهاني المتأخر : الحق أن تعلق الأمر بالفعل حال حدوثه لا قبله ليس بصحيح .
أما أولا : فإنهم بنوا على الاستطاعة والقدرة ، ولا حاصل لتعلق الأمر بالقدرة رأي الأشعري قاله الإمام ، فإن القاعد حال قعوده مأمور بالقيام بالاتفاق ، ولا قدرة له على القيام عند الشيخ في حال القعود ، فكيف يستقيم تعلق الأمر بالقدرة ؟ ومن لا قدرة له مأمور عندنا .
وأما ثانيا : فلأنه لا معنى لكون فعل العبد مقدورا له على أصل الشيخ ، فإن فعل العبد مخلوق الله ، فلا يكون واقعا بقدرة العبد ، فلا يكون مقدورا له .
وأما ثالثا : فلأنه لا معنى لإثبات القدرة في العبد ، فإنه إذا لم يكن للوصف الذي هو مقارن الفعل مدخل في الفعل فجميع الأوصاف المقارنة للفعل متشاركة في كونها مقارنة للفعل ، فتميز بعضها عن بعض بكونها قدرة دون غيره ، يكون تميزا من غير مميز وهو غير معقول .
وأما رابعا : فلأنه مبني على استحالة بقاء الأعراض وهو ممنوع .
وأما خامسا : فلأنه مبني على تقدير ثبوت هذا الأصل وكون قدرة [ ص: 163 ] العبد ثابتة ، وكون الفعل مقدورا للعبد باعتبار الكسب يلزم أن تكون القدرة عند حدوث الفعل ، بل يجوز أن تكون قبله .
وأما قولهم : لو تقدمت القدرة الحادثة على وجود الحادث لعدمت عند وجود الحادث ضرورة استحالة بقائها ، فلا يكون الحادث متعلقا للقدرة ، فلا طائل له . وذلك لأن القدرة إذا لم يكن لها مدخل في الفعل فكما جاز أن يقال : الفعل مقدور للعبد باعتبار مقارنة القدرة للفعل فكذلك جاز أن يقال : الفعل مقدور للعبد باعتبار تقدم القدرة على الفعل ، بل لو فرضنا أن للقدرة مدخلا في الفعل لجاز أن تكون متقدمة بالزمان على الفعل كسائر الأسباب العدة .
والحق : أن طلب الفعل سابق على حدوثه ، وكذلك القدرة على الفعل ، ونعني بالقدرة على الفعل صفة خلقها الله في العبد ، وجعلها بحيث لها مدخل في الفعل ، بل كونها بحيث لها مدخل في الفعل بخلق الله تعالى ، وأن جميع المحدثات بخلقه تعالى بعضها بلا أوساط ولا أسباب ، وبعضها بوسائط وأسباب ، لا بأن تكون تلك الوسائط والأسباب لذاتها اقتضت أو يكون لها مدخل في وجود المسببات ، بل خلقها الله بحيث لها مدخل .
فتكون الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله ومقدورة للعبد بقدرة خلقها الله فيه ، والقدرة مميزة عن سائر الصفات من حيث لها مدخل في الفعل على هذا الوجه بخلاف سائر الصفات ، فيكون المأمور مأمورا بالفعل قبل حدوثه ، لكن هل ينقطع التكليف حال حدوث الفعل أم لا ؟
فنقول : الفعل المطلوب يكون آتيا قبل الآن طرف الزمان أو جزأه علم ذلك باستقراء الأفعال المطلوبة في الشرع ، بل يكون زمانيا إما على سبيل الاستمرار كالقيام في الصلاة أو على سبيل التدريج كقراءة الفاتحة في الصلاة .
وعلى التقديرين يكون ذلك ذا أجزاء ، ويكون الأمر بالذات متعلقا بذلك الفعل تعلقا بأجزائه محال الحدوث ، وإن وقع بعض أجزاء الفعل لم يقع [ ص: 164 ] البعض بها ، والأمر المتعلق بالفعل بالذات لا ينقطع ما لم يحدث الفعل ، ولا يحدث الفعل إلا بعد حدوث أجزائه ، فلا ينقطع التكليف إلا بعد حدوث جميع أجزائه ، وبيان أن أفعال العباد مخلوقة لله ومقدرة للعبد على الوجه المذكور في أصول الدين .