مسألة 
لا يجوز ترجمة القرآن  بالفارسية وغيرها بل يجب قراءته على هيئته التي يتعلق بها الإعجاز لتقصير الترجمة عنه ، ولتقصير غيره من الألسن عن البيان الذي خص به دون سائر الألسنة . قال الله تعالى : { بلسان عربي مبين    } هذا لو لم يكن متحدى بنظمه وأسلوبه ، وإذا لم تجز قراءته بالتفسير العربي المتحدى بنظمه فأحرى أن لا تجوز بالترجمة بلسان غيره . ومن هاهنا قال القفال  في فتاويه " : عندي أنه لا يقدر أحد أن يأتي بالقرآن بالفارسية . قيل له : فإذن لا يقدر أحد أن يفسر القرآن . 
قال : ليس كذلك ، لأن هنا يجوز أن يأتي ببعض مراد الله ويعجز عن البعض أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله . 
وفرق غيره بين الترجمة والتفسير ، فقال : يجوز تفسير الألسن بعضها ببعضه ، لأن التفسير : عبارة عما قام في النفس من المعنى للحاجة والضرورة . 
والترجمة : هي بدل اللفظة بلفظة تقوم مقامها في مفهوم المعنى للسامع المعتبر لتلك الألفاظ ، فكأن الترجمة إحالة فهم السامع على الاعتبار ،  [ ص: 186 ] والتفسير تعريف السامع بما فهم المترجم ، وهذا فرق حسن ، وما أحاله القفال  من ترجمة القرآن ذكره الإمام أبو الحسين أحمد بن فارس  عن كتاب " فقه العربية " أيضا . 
فقال : لا يقدر أحد من المترجمين على أن ينقل القرآن إلى شيء من الألسنة كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية ، وترجمت التوراة ، والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية ، لأن العجم  لم تتسع في المجاز اتساع العرب    . ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله جل وعلا : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء    } لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعت فيه حتى تبسط مجموعها ، وتفك منظومها ، وتظهر مستورها فتقول : إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضا ، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم ، وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء . وكذلك قوله تعالى : { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا    } ا هـ . 
وظهر من هذا أن الخلاف المحكي عن  أبي حنيفة  في جواز قراءته بالفارسية  لا يتحقق لعدم إمكان تصوره على أنه قد صح عن  أبي حنيفة  الرجوع عن ذلك . حكاه عبد العزيز  في " شرح البزدوي    " . والذين لم يطلعوا على الرجوع من أصحابه قالوا : أراد به عند الضرورة والعجز عن القرآن ، فإن لم يكن كذلك امتنع ، وحكم بزندقة فاعله . 
وجعل القفال  فيما حكاه  القاضي الحسين  في " الأسرار " مأخذ الخلاف في ذلك القول بخلق القرآن ، وفيه نظر ، ورأيت في كلام بعض الأئمة المتأخرين من المغاربة أن المنع مخصوص بالتلاوة ، فأما ما ترجمته  [ ص: 187 ] بالفارسية : فإن ذلك جائز للضرورة ، وينبغي أن يقتصر من ذلك على بيان الحكم المحكم منه والقريب المعنى بمقدار الضرورة إليها من التوحيد وأركان العبادات ، ولا يتعرض لما سوى ذلك ويؤمر من أراد الزيادة على ذلك بتعلم اللسان العربي . 
قال : وهذا هو الذي يقتضيه الدليل ، ولذلك لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر  إلا بآية واحدة محكمة بمعنى واحد وهو توحيد الله تعالى والتبري من الإشراك ، لأن النقل من لسان إلى لسان قد تقصر الترجمة عنه لا سيما من العربي إلى العجمي . فإن كان معنى المترجم عنه واحدا عدم أو قل وقوع التقصير فيه بخلاف المعاني إذا كثرت لا سيما إذا اشتركت الألفاظ وتقاربت ، أو تواصلت المعاني أو تقاربت . وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لضرورة التبليغ ، أو لأن معنى تلك الآية كان عندهم مقررا في كتبهم وإن خالفوه : وإفراد هذه المسألة بكلامي هذا لا تجده في كتاب فاشكر الله على هذا المستطاب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					