مسألة
مفرعة على امتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز .
[ ص: 409 ] فاختار الخطاب الذي له حقيقة ومجاز ، وموجب المجاز ثابت في بعض الصور ، هل يقتضي إسناده إلى ذلك المجاز ، حتى يكون مرادا من ذلك الخطاب ، ويستلزم أن لا يحتمل ذلك الخطاب على الحقيقة ، وأن لا يلزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وهو باطل ، لأنا نفرع على هذه المسألة ، أم لا يقتضي ذلك ؟ القاضي عبد الجبار والرازي في " المحصول " أن موجب المجاز يدل على أنه مراد بالخطاب ، واختار البصري من المعتزلة أنه يدل ، ونسب إلى ، مثال : لفظ الملامسة حقيقة في الجس باليد ، وهو مجاز في الوقاع ، فقد ثبت موجب المجاز في قوله تعالى : { الكرخي أو لامستم النساء } لانعقاد الإجماع على وجوب التيمم عند فقد الماء ، وثبوت معنى هاهنا لا يدل على أنه مراد بالخطاب ، فيلزم أن لا تكون الحقيقة مرادة بالخطاب على ما بينا ، فصار النزاع في أن ثبوت موجب المجاز في صورة من الصور يمنع إجراء الخطاب على حقيقته على رأي ، ولا يمنع على الآخر .
وأوضحهما القاضي عبد الجبار في " العمدة " فقال : اعلم أنه يجب أن يعتبر الحكم الثابت بالدليل ، فإن كان لفظ النص يتناوله على الحقيقة قطعنا بأنه مراد به إن لم يمنع منه دليل ، وإن كان لفظ النص يتناوله على جهة المجاز لم يجب أن نقطع بذلك إلا بدليل ، فإن دل عليه دليل قضي به ، وإلا حكم بثبوته بالدليل الذي أوجب ذلك . مثاله : أنه إذا ثبت أن الصلاة تجب إقامتها ، وكان قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة } يتناولها على الحقيقة قطع بأنها مرادة ، وإذا ثبت أنه يجب على المصلي أن يصلي على محمد وآله في التشهد كان قولنا : ( صلاة ) يتناولها على جهة المجاز لم يجب أن يكون ذلك مرادا بقوله : { وأقيموا الصلاة } وإلا أن يدل الدليل سوى ذلك ، ثابت وجوبه يدل على أنه قد أريد ذلك ، ولهذا لم يصح عندنا إبطال ما يقوله : إن اللمس هو باليد بأن يقال : قد ثبت أن الجماع يتعلق به الحكم المذكور وهو النقض ، فيجب أن يكون مرادا بها وإذا صار مرادا بها بطل ، أو يراد بها اللمس باليد من وجهين : الشافعي
أحدهما : أن كون الجماع مرادا لا يمنع كون اللمس مرادا . [ ص: 410 ]
والثاني : أن ثبوت هذا الحكم للجماع لا يوجب أن يكون مرادا بالأمر ، وكذلك القول في قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } أن ثبوت الوطء مراد به لا يمنع ثبوت العقد مرادا به .
تنبيه
[ حمل المتواطئ على معانيه ]
وأما المتواطئ فهل يحمل على معانيه ؟
قال الأصفهاني في قواعده " لا عموم فيه إجماعا ، وصرح في المحصول " في باب المجمل " بأنه مجمل ، وألحقه بالمشترك على رأيه ، ومثله . بقوله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده } .
وأما المشكك فقال النحوي في " شرح الجمل " : من جوز ذلك في المشترك ربما يجوزه في المشكك ، وفيما قاله نظر ، لأن أفراده متفاوتة ، فينبغي الحمل على الأقوى رعاية لتلك الأولوية بخلاف المشترك فإنها متساوية ، وهاتان المسألتان قل من تعرض لهما . ابن الصائغ