النوع الرابع اعلم أن الشرط في اصطلاح مفهوم الشرط المتكلمين : ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلا في الشيء ولا مؤثرا فيه . وفي اصطلاح النحاة : ما دخل عليه أحد الحرفين " إن ، وإذا " أو ما يقوم مقامهما من الأسماء والظروف الدالة على سببية الأول ومسببية الثاني . [ ص: 165 ] وهو المراد هنا أعني اللغوي لا الشرعي والعقلي ، نحو : { وإن كن أولات حمل } فيتعلق الحكم بوجوده إجماعا ، وينتفي بعدمه عند القائلين المفهوم . قالوا : وهو أقوى المفاهيم .
وأما المنكرون له فاختلفوا ، فذهب ابن سريج ، وابن الصباغ ، ، والكرخي وأبو الحسين البصري إلى لزوم القول [ به ] ، ونقله إمام الحرمين عن أكثر العلماء ، ونقله ابن القشيري عن معظم أهل العراق ، ونقله أبو الحسن السهيلي في " أدب الجدل " عن أكثر الحنفية ، وذهب أكثر المعتزلة - كما نقله في " المحصول " - إلى المنع ، وقالوا : لا ينتفي بعدمه ، بل هو باق على ما كان عليه قبل التعليق ، ورجحه المحققون من الحنفية ، ونقل عن ، ونقله أبي حنيفة ابن التلمساني عن ، وهو اختيار مالك القاضي والغزالي والآمدي .
وقد احتج القاضي في باب الأصول والثمار من تعليقه على الحنفية بحديث . حسين أنه قال يعلى بن أمية : لماذا نقصر ، وقد أمنا . وقال تعالى : { إن خفتم } ؟ فقال له لعمر بن الخطاب : تعجبت مما تعجبت منه ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : { عمر } . قال : وهما من صميم صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته العرب ، وأرباب اللسان ، وعرفا من الآية أن المفهوم يعني الشرطي حجة . وإنما تركاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم . ا هـ . [ ص: 166 ] وقد بالغ إمام الحرمين في الرد على المنكرين لهذا المفهوم . وقال : من الصور التي يجب الاعتناء بها الشرط والجزاء ، فإن سلم الخصم اقتضاء الشرط تخصيص الجزاء به تعدينا هذه الرتبة ، وإن استقر على النزاع اكتفينا بنسبته إلى الجهالة باللسان أو المراغمة والعناد ، فنحن نعلم من مذهب العرب قاطبة أنها وضعت باب الشرط لتخصيص الجزاء به . فإذا قال القائل : من أكرمني أكرمته ، فقد أشعر باختصاص إكرامه بمن يكرمه . ومن جوز أن يكون وضع هذا الكلام على أن يكرم مكرمه ، ويكرم غيره أيضا ، فقد آل الكلام معه إلى التسفيه والتجهيل والإحالة على تعلم مذهب العرب .
قيل : وفيه نظر : لأن النزاع في هذه المسألة راجع إلى أن مثل قول القائل : من أكرمني أكرمته كما أنه يدل على إثبات إكرام مكرمه بطريق المنطوق ، هل يدل على نفي إكرام غير مكرمه بطريق المفهوم أم لا ؟ ولا خلاف في أن هذا الكلام لم يوضع لأن يكرم مكرمه ويكرم غير مكرمه ، فإنه لا دلالة له على إثبات إكرام غير مكرمه بالاتفاق ، لا بالمنطوق ولا بالمفهوم ، ولم يصر إليه أحد من منكري المفهوم . وإنما قالوا : إنه لم يلزم إلا إكرام مكرمه خاصة ، وأما غير مكرمه فلا مدخل له في هذا الوعد . ولا دلالة لمثل هذا الكلام على إكرامه بنفي ولا إثبات ، بل هو مسكوت عنه ، وهذا غير محال ولا مناف لاختصاص الجزاء بالشرط .