الثالث : أن المراد بالشرط هو اللغوي سبق ، وهو مغاير للشرعي والعقلي ، فإن كل واحد منهما ينتفي المسمى بانتفائه ولا يوجد بوجوده ، وأما اللغوي فلا يبقى أثره إلا في وجود المعلق بوجود ما علق عليه لا غير . وأما عدمه فإما لعدم مقتضيه ، أو لأن الأصل بقاء ما كان [ ص: 168 ] قبل التعليق لا من جهة المفهوم كما سبق . فالخلاف حينئذ إنما نشأ من إطلاق اسم الشرط . ومن قال : المعلق بكلمة " إن " صريح ، فدل بمنطوقه على وجود ما علق عليه عند وجوده ليس إلا ، أما العدم عند العدم فلا يدل عليه ألبتة ، بل ذلك من باب المفهوم .
والحاصل : أنه لا خلاف في انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط ، ولكن فمن جعله حجة ، قال بالأول ، ومن أنكره قال بالثاني . وهاهنا أمور أربعة : أحدها : ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط . وثانيها : عدم الجزاء عند عدم الشرط . وثالثها : دلالة النطق على الأول . ورابعها : دلالته على الثاني . فأما الدلالة الأولى فمتفق عليها . والرابع هو المختلف فيه بعد الاتفاق على أن عدم الجزاء ثابت عند عدم الشرط . لكن عند القائلين بالمفهوم ثبوته لدلالة التعليق عليه ، وعند النفاة ثابت بمقتضى البراءة الأصلية ، فالحكم متفق عليه ، والخلاف في علته ، فالخلاف إنما هو في هل الدال على الانتفاء صيغة الشرط أو البقاء على الأصل ؟ ، لا على أصل العدم عند العدم . فإن ذلك ثابت بالأصل قبل أن ينطق الناطق بكلام . وهكذا الكلام في سائر المفاهيم . دلالة حرف الشرط على العدم عند العدم
قال أبو زيد الدبوسي وهو من المنكرين له : انتفاء المعلق حال عدم الشرط ، لا يفهم من المتعلق ، بل يبقى على ما كان قبل ورود النص . قال : وحاصل الخلاف يرجع إلى أن الشرط هل يمنع من انعقاد علة الحكم ؟ فعندنا يمنع ، وعندهم لا . فإذا لم يكن الشرط عندهم مما يمنع انعقاد العلة ، كانت العلة موجودة ، وكانت موجبة للحكم ، والشرط يمنع وجود الحكم ، وعندنا لما كان الشرط يمنع انعقاد العلة ، لم تكن العلة موجودة حتى توجب الحكم ، فلم يتصور استناد منع الحكم إلى الشرط .