تنبيهات
الأول : ، فأما المقصود به كالألف والسبعين ، وغيرهما ، فما جرى في لسان محل الخلاف فيما لم يقصد به التكثير العرب للمبالغة ، فلا يدل بمجرده على التحديد . ذكره . وكلام الباقين في الجواب عن الحديث مصرح به ، واستثنى ابن فورك ابن الصباغ في " العدة " ما إذا كان في العدد تنبيه على ما زاد عليه ، كقوله : { } فإنه تنبيه على أن ما زاد عليهما أولى بأن لا يحمل . إذا بلغ الماء قلتين
الثاني : قال بعض المتأخرين : محل الخلاف إنما هو عند ذكر العدد نفسه ، كاثنين ، وثلاثة . أما المعدود فلا يكون مفهومه حجة ، كقوله : { } ، فلا يكون تحريم ميتة ثالثة مأخوذا من مفهوم العدد . لكن الناس يمثلون لمفهوم العدد بقوله : { أحلت لنا ميتتان ودمان } وليس كذلك ، لأنه ليس فيه اسم عدد ، والفرق أن العدد يشبه الصفة ، والمعدود [ ص: 173 ] يشبه اللقب ، ولا فرق فيه بين أن يكون واحدا أو مثنى ، ألا ترى أنك لو قلت : رجال ، لم يتوهم أن صيغة الجمع عدد ، ولا يفهم منها ما يفهم من التخصيص بالعدد ، فكذلك المثنى ، لأنه اسم موضوع لاثنين ، كما أن الرجال اسم موضوع لما زاد ، فمن ثم لم يكن قوله : ( ميتتان ودمان ) يدل على نفي حل ميتة ثالثة ، كما أنه لو قال : أحلت لنا ميتة ، لم يدل على عدم حل أخرى . إذا بلغ الماء قلتين
الثالث : أنه من أشهر حجج المثبتين أنه لما نزل قوله تعالى : { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } قال النبي عليه السلام : { } فعلم من الآية أن حكم ما زاد على السبعين بخلافه . وأجيب بأنه لعله قاله رجاء حصول المغفرة بناء على بقاء حكم الأصل ، فإن رجاءها كان ثابتا قبل نزول الآية ، لا لأنه فهمه من التقييد . وأجاب لأزيدن على السبعين ، القاضي أبو بكر والإمام ، والغزالي ومن تابعهم بالطعن في الحديث ، وقالوا لم يصح ، وهذا غير مستقيم ، فإنه مخرج في الصحيحين ، لكن بلفظ سأزيد على السبعين . قال : فأما ما رواه أبو بكر الرازي أبو عبيد : لأزيدن على السبعين ، فهي رواية باطلة لا تصح ، ولا تجوز عليه ، فإنه يمتنع غفران ذنب الكافر ، وإنما المروي : لو علمت أن يغفر له إذا زدت على السبعين لزدت . قلت : هكذا رواه في باب الجنائز بلفظ : { البخاري } . [ ص: 174 ] لو علمت أني إن زدت على السبعين يغفر له ، لزدت عليها
وقال : لا معنى لتوهين الحديث ، لأنه قد صح ، وليس بمنكر استغفاره عليه السلام ، لأنها لا تستحيل عقلا ، والإجابة ممكنة . ولو خلينا وظاهر الآية لكان الزائد على السبعين يقتضي الغفران ; لكنه نزل بعده : { ابن فورك ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } . فدل ذلك على زوال حكم المفهوم ; فإن صلاته عليه السلام توجب المغفرة ، ولهذا امتنع من الصلاة على المدين .
وتلطف القاضي ابن المنير ، فقال : لعل القصد بالاستغفار التخفيف كما في دعائه لأبي طالب . وقوله : ( لأزيدن على السبعين ) أي أفعل ذلك لأثاب على الاستغفار ، فإنه عبادة . وقول الأصوليين : إن أسماء العدد نصوص ، ليس على إطلاقه ; بل هي نصوص دالة بقرائن الأحوال إذا قصد الكثرة ، كقولك : جئت ألف مرة . ومنه حثه عليه السلام على صوم عشر ذي الحجة ، وإنما هو تسعة أيام خاصة ، ولو نذر صوم هذه العشر لم يكن ناذرا صوم يوم العيد ، ولا عاصيا بهذا اللفظ إجماعا ، فدل على أن العشرة قد تطلق على التسعة تقريبا .