مسألة [ ] تقديم المعمولات على عواملها
تقديم المعمولات على عواملها ، نحو : { إياك نعبد وإياك نستعين } ، { وهم بأمره يعملون } . وقد صرح صاحب " المحصول " وغيره بدلالته على الحصر . قال بعضهم : ولا خلاف في إفادة هذا الحصر عند القائلين به من جهة المفهوم لا المنطوق . وذكره البيانيون أيضا . ورده في " شرح المفصل " ، ابن الحاجب والشيخ أبو حيان . وقال : الذي نص عليه أن التقديم للاهتمام والعناية . فقال : كأنهم يقدمون الذي شأنه أهم ، وهم ببيانه أعنى ، وإن كانا جميعا مهتما بهما أو بعنايتهما . ا هـ .
وهذا إنما قاله في باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول . قال : وذلك قولك : ضرب زيدا عبد الله . ثم قال : وكأنهم يقدمون . . . إلى آخره . وليس هذا محل النزاع ، لأن الكلام في تقديم المعمول على العامل ، لا في تقديمه على الفاعل . وذكره في باب : " ما يكون فيه الاسم مبنيا على الفعل " . قال : وذلك قولك : زيدا ضربت ، فالاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير سواء مثله في ضرب زيد عمرا ، وضرب زيدا [ ص: 191 ] عمرو ، فهذا وإن كان محل النزاع فلا حجة فيه ، لأنه إنما ذكره من الجهة التي شابه بها تقديم الفاعل على المفعول أو العكس في المثالين ، وليس فيه من هذه الجهة إلا الاهتمام ، ولا يبقى ذلك الذي اختص بها إذا تقدم على العامل وهي الحصر . سيبويه
والحق أن التقديم يفيد الاهتمام ، وقد يفيد مع ذلك الاختصاص بقرائن ، وهو الغالب ، وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة ، وهي قوله تعالى : { أغير الله تدعون إن كنتم صادقين . بل إياه تدعون } فإن التقديم في الأولى قطعا . للاختصاص ، وفي " إياه " قطعا للاختصاص ، والذي عليه محققو البيانيين أن ذلك غالب لا لازم ، بدليل قوله تعالى : { كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل } { أفي الله شك } إن جعلنا ما بعد الظرف مبتدأ .
وقد رد صاحب " الفلك الدائر " القاعدة بالآية الأولى . قيل : ورد في " شرح المفصل " القاعدة بقوله تعالى : { ابن الحاجب بل الله فاعبد } مع قوله : { فاعبد الله مخلصا } فدل على أن التقديم والتأخير سواء . وهذا فيه نظر ، بل ذلك يدل على عدم المساواة ، فإنه حيث أخر المعمول أتى بما ينوب عن التقديم ، وهو قوله : { مخلصا } ولو لم يذكره مع التقديم دل على إفادته الاختصاص والحصر ، ولعل أراد الآية الأخرى ، وهي : { ابن الحاجب قل الله أعبد مخلصا له ديني } فقد ذكر " مخلصا " فيهما مع اختلافهما بالتقديم والتأخير . [ ص: 192 ] وقال ابن أبي الحديد في " الفلك الدائر " : الحق أنه لا يدل على الاختصاص إلا بالقرائن ، وإلا فقد كثر في القرآن التصريح به مع عدمه كقوله تعالى : { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم } ولا يدل على أن غير الرواسي لم يجعله في الأرض . وقوله : { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } ولم يكن ذلك مختصا به ، فقد كانت حواء كذلك . وقوله : { إذ نفشت فيه غنم القوم } ولا يدل على أنها ما نفشت إلا فيه ، لأن النفش : انتشار الغنم من غير راع ، سواء كان في حرث أو غيره . وقال تعالى : { وكنا لحكمهم شاهدين } فقد الظرف ، ولا يدل على أنه لم يشهد إلا حكمهم . وقال : { ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه } ولا يدل على أنه لم يصلح زوجة أحد غيره . قال : وفي الكتاب ألف آية مثل هذه تبطل الاختصاص والحصر . قال : والصحيح أن القرينة تدل على الاختصاص لا بمجرد الصيغة . ا هـ . وأنت إذا عرفت قيد العلة سهل الأمر . نعم ، له شرطان : أحدهما : أن لا يكون المعمول مقدما على الوضع ، فإنه لا يسمى مقدما حقيقة ، كأسماء الاستفهام ، والمبتدأ عند من يجعله معمولا لخبره .
والثاني : أن لا يكون التقديم لمصلحة التركيب ، مثل : { وأما ثمود فهديناهم } على قراءة النصب .
واعلم أن ظاهر كلام البيانيين أن ، ولهذا يجعلون من الحصر تقديم الخبر ، فهو عندهم مقيد للاختصاص والحصر . وحكى الاختصاص ، والحصر ، والقصر بمعنى واحد ابن الحاجب عن إمام الحرمين أنه استدل على [ ص: 193 ] أن مفهوم الصفة حجة بأنه لو لم يفد الحصر لم يفد الاختصاص به دون غيره ، لأنه بمعناه .
وخالفهم بعض المتأخرين ، وفرق بينهما بأن ، فهو مسكوت عنه ، والحصر إعطاء الحكم له والتعرض لنفيه عما عداه ، ففي الاختصاص قضية واحدة ، وفي الحصر قضيتان . فإذا قلت : لا قائم إلا زيد ففيه إثبات القيام لزيد ونفيه عما عداه . وهل ذلك بطريق المنطوق أو المفهوم خلاف ينبني عليه ما إذا قلت بعده : وعمرو ، وهل هو نسخ أو تخصيص ؟ فإن قلنا بالمنطوق فهو نسخ . وإن قلنا بالمفهوم فتخصيص . الاختصاص إعطاء الحكم لشيء والإعراض عما سواه
قال : ويدل على أن الحصر غير الاختصاص قوله تعالى : { يختص برحمته من يشاء } فإنه لا يجوز أن يقال : إنه يقصر رحمته على من يشاء ، لأنها لا تقصر ، ولا تختص بها ، لأنها لا تختص ، بل مدلول الآية أنه يرحم من يشاء وغيرهم يعرض عنه .
تنبيه
يدخل في هذا القسم تقديم الخبر ، فإن الخبر معمول للمبتدأ على الصحيح .