المبحث الخامس: أثر الجنون والإغماء قبل القبض على صحة الهبة
فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أثر ذلك على الهبة على قولين: إذا أغمي أو جن الواهب، أو الموهوب له قبل قبض الهبة،
القول الأول: أن الهبة لا تبطل بجنون، أو إغماء الواهب، أو الموهوب له.
وهو قول جمهور أهل العلم.
لكن عند المالكية: إن اتصل الجنون والإغماء بموت الواهب بطلت، وإن صح لم تبطل.
وحجته:
1 - ما تقدم من الأدلة على صحة عقد الهبة بالإيجاب والقبول، والأصل بقاء الصحة، فلا يصار إلى البطلان إلا بدليل.
[ ص: 446 ] 2 - القياس على النوم فلا تبطل الهبة بالجنون والإغماء، كما لا تبطل بالنوم.
3 - أن الهبة قبل القبض عقد جائز، فلا تبطل بالإغماء، كالوكالة.
القول الثاني: أن الهبة تبطل بالإغماء.
هذا القول الثاني عند الشافعية.
وحجته: القياس على الوكالة، فتبطل الهبة بالإغماء قبل القبض كما تبطل الوكالة، بجامع أن كلا منهما عقد جائز.
ونوقش: بعدم تسليم بطلان الوكالة بالإغماء.
وعلى فرض تسليم أن الوكالة تبطل بالإغماء، فثمة فرق بين الوكالة والهبة، فإن الهبة تؤول إلى اللزوم فلم تنفسخ بالإغماء، كالبيع الجائز، بخلاف الوكالة.
الراجح:
قد يترجح - والله أعلم - هو القول الأول، وهو أن الهبة لا تبطل بجنون، أو إغماء الواهب، أو الموهوب له بعد العقد وقبل القبض; وذلك لقوة أدلة هذا القول، ومقابلة دليل القول الثاني بما أورد عليه من مناقشة.
[ ص: 447 ]