الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              167 (باب منه)

                                                                                                                              وقال النووي: (باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 130 - 131 جـ2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع، فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر ].

                                                                                                                              [ ص: 402 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 402 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر رضي الله عنه: "أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟) بفتح الميم، وبفتح النون، وإسكانها؛ "لغتان" ذكرهما ابن السكيت والجوهري وغيرهما والفتح أفصح؛ وهي العين والامتناع، ممن يريده.

                                                                                                                              وقيل: "المنعة" جمع "مانع" كظالم وظلمة، أي: جماعة يمنعونك ممن يقصدك مكروه.

                                                                                                                              قال: "حصن: كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. هاجر الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة" بضم الواو، والثانية "ضمير جمع" يعود على "الطفيل والرجل المذكور ومن يتعلق بهما".

                                                                                                                              ومعناه: كرهوا المقام بها؛ لضجر، ونوع من سقم. قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما "اجتويت البلد" إذا كرهت المقام به؛ وإن كنت في نعمة.

                                                                                                                              قال الخطابي: وأصله من "الجوى"، وهو داء يصيب الجوف، فمرض "فجزع" فأخذ "مشاقص، له" بفتح الميم وبالشين والقاف والصاد، جمع "مشقص" بكسر الميم وفتح القاف.

                                                                                                                              [ ص: 403 ] قال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو "سهم" فيه نصل عريض. وقال آخرون "سهم طويل "ليس بالعريض".

                                                                                                                              وقال الجوهري: "المشقص" ما طال وعرض، قال النووي: وهذا هو الظاهر هنا. لقوله: "فقطع بها براجمه" ولا يحصل ذلك إلا بالعريض.

                                                                                                                              "والبراجم" بفتح الباء الموحدة، وبالجيم "مفاصل الأصابع" واحدتها "برجمة".

                                                                                                                              "فشخبت يداه حتى مات" بفتح الشين والخاء؛ أي: سال دمهما. وقيل: سال بقوة.

                                                                                                                              "فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه "وهيئته حسنة". ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر".

                                                                                                                              قال النووي: الحديث فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار بل هو في حكم المشيئة.

                                                                                                                              وهذا الحديث شرح للأحاديث الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس، وغيره من أصحاب الكبائر في النار.

                                                                                                                              [ ص: 404 ] "وفيه" إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي؛ فإن هذا عوقب في يديه، ففيه رد على "المرجئة"، القائلين بأن المعاصي لا تضر، انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية