حكم النذر للمشاهد من ذبيحة وغيرها
قال الرافعي في «شرح المنهاج»: وأما النذر للمشاهد التي على قبر ولي، أو شيخ، أو على اسم من حلها من الأولياء، أو تردد في تلك البقعة من الصلحاء، فإن قصد الناذر بذلك - وهو الغالب أو الواقع من قصود العامة - تعظيم البقعة والمشاهد، والزوايا، أو تعظيم من دفن بها، أو نسبت إليه، أو بنيت على اسمه، فهذا النذر باطل غير منعقد.
فإن اعتقد أن لهذه الأماكن خصوصيات، ويرون أنها مما يدفع به البلاء، ويستجلب به النعماء، ويستشفى بالنذر لها من الأدواء، حتى إنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل: إنه استند إليها عبد صالح، وينذرون لبعض القبور السرج، [ ص: 252 ] والشموع، والزيت، ويقولون: القبر الفلاني، أو المكان الفلاني يقبل النذر، يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مريض، أو قدوم غائب، أو سلامة مال، أو غير ذلك من أنواع نذر المجازاة، فهذا النذر على هذا الوجه باطل لا شك فيه، بل نذر الزيت والشمع ونحوهما للقبور باطل مطلقا.
ومن ذلك - ولقبور غيره من الأنبياء، والأولياء ؛ فإن النادر لذلك لا يقصد بذلك إلا الإيقاد على القبر، تبركا وتعظيما، ظنا أن ذلك قربة، فهذا مما لا ريب في بطلانه. نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل - عليه السلام
والإيقاد المذكور محرم، سواء انتفع به هناك منتفع، أم لا.
قال الشيخ قاسم في «شرح درر البحار»: النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد؛ كأن يكون للإنسان غائب أو مريض، وله حاجة، فيأتي إلى قبر بعض الصلحاء، ويجعل على رأسه سترة، ويقول: يا سيدي فلان! إن رد الله غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب كذا، أو من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا، أو من الشمع، أو الزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه.
منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر له لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق.
ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك شيئا.
ومنها: أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاد ذلك كفر.
إلى أن قال: إذا علمت هذا، فما يؤخذ من الدراهم، والشمع، والزيت، وغيرها، وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم، فحرام بإجماع المسلمين. نقل ذلك عنه ابن نجيم في «البحر الرائق»، ونقله المرشدي في «تذكرته»، وغيرهما عنه، وزاد: وقد ابتلي الناس بهذا، لا سيما في مولد البدوي.
وقال شيخ صنع الله الحلبي الحنفي في «الرد على من أجاز الذبح، والنذر [ ص: 253 ] للأولياء»: هذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلان، فهو لغير الله، فيكون باطلا، وفي التنزيل: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه [الأنعام: 121]، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له [الأنعام: 162- 163]، ؛ كالذبح لغيره. انتهى. والنذر لغير الله إشراك مع الله
وأقول: كلام العلماء أهل المعرفة بالحق والدليل في هذا الباب كثير، ولا حاجة بنا إلى نقله ؛ فإن الكتاب والسنة يغنيان عن ذلك.
وقد ورد عن - رضي الله عنها - في «الصحيح»: عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».
وقد أجمع العلماء على أن ونحو ذلك، وجب عليه إن حصل له ما علق نذره على حصوله، وبه قال الجمهور. من نذر طاعة بشرط يرجوه؛ كـ «إن شفى الله مريضي، فعلي أن أتصدق بكذا»،
وحكي عن - رحمه الله -: أنه لا يلزمه الوفاء إلا بما جنسه واجب بأصل الشرع؛ كالصوم، وأما ما ليس كذلك، كالاعتكاف، فلا يجب عليه الوفاء به اهـ. أبي حنيفة
وهذا ظاهرية منه - رحمه الله -، ولكن لفظ السنة المطهرة أوسع من ذلك، قال الطحاوي: من نذر أن يعصي الله، فلا يعصه، وليكفر عن يمينه.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية.
قال الحافظ - رحمه الله-: اتفقوا على تحريم وتنازعوا، هل ينعقد موجبا للكفارة، أم لا؟ وتقدم. النذر في المعصية،
وقد يستدل بالحديث على صحة النذر في المباح كما هو مذهب وغيره. أحمد
ويؤيده ما رواه عن أبو داود عن أبيه، عن جده، عمرو بن شعيب [ ص: 254 ] وأحمد، والترمذي بريدة: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: «أوفي بنذرك». عن