حكم القدرية والمرجئة
قال في الترجمة : هذا الحديث وأمثاله صريح في تكفير القدرية والمرجئة .
لكن الصواب ألا يسارع إلى تكفير أهل الأهواء المتأولين; لأن هؤلاء لم يختاروا الكفر ، ولم يرضوا به ، بل فروا من الكفر بالتأويل ، وتمسكوا بالكتاب والسنة ، وبذلوا المجهود في إصابة الحق ، فأخطؤوا ، ولم يصيبوا ، والفرق بين لزوم الكفر ، وبين التزامه كائن ، وهذا هو القول المختار من علماء الأمة ، وفيه الاحتياط ، وقد نهينا عن تكفير أهل القبلة ، وكل ما ورد في شأن هؤلاء مما يدل على كفرهم ، فمن باب الزجر والتشديد والمبالغة في التضليل .
وفي صحة هذه الأحاديث الواردة فيهم أيضا كلام عند العلماء المحدثين . انتهى .
وأقول : الكفر كفران : كفر التصريح ، وكفر التأويل ، والأول واضح ، والثاني محتمل .
فلا ينبغي لمؤمن مسلم أن يبادر إلى الحكم بالكفر للمتأولين ، فإن هذا الحكم يرجع إليه ، وهو يبوء به .
[ ص: 153 ] وإن مست الحاجة ، ودعت الضرورة الشرعية والمصلحة الملية إلى الحكم بذلك ، فالطريق الأسلم أن يقول : إن الشرع ورد بكفر هذا الأمر ، ولا يكفر معينا .
وهذا القدر يكفي للزجر والنهي ، إلا أن يرى من أحد منهم كفرا بواحا ، وإنكارا صريحا ، لضروري من ضروريات الشرع ، وجحدا لعقيدة من العقائد الثابتة بالكتاب والسنة ، فلا مضايقة في الحكم عليه به .
ولكن لا ملجئ إلى تعيين الأشخاص أيضا هاهنا; كالرافضة القائلين بالوحي إلى أئمة العترة ، والخوارج الذين ورد فيهم أنهم من كلاب النار .
وأما المعتزلة والزيدية ، ومقلدة المذاهب الأربعة ، فلا أعلم محققا قال بتكفيرهم ، بل غاية ما هنالك أنهم أهل بدعة ، وهوى ، ورأي . والله أعلم .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يكون في أمتي خسف ومسخ ، وذلك في المكذبين بالقدر» .
الخسف : هو الغيبوبة في الأرض ، والذهاب تحت الثرى ، والمسخ : هو تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها .
قال في الترجمة : ومن هنا علم أن القدرية اسم لجماعة أنكروا القدر ، لا اسم لجماعة أثبتوه ، كما قال هؤلاء : إن هذا الاسم أنسب وأولى بأهل السنة . خذلهم الله تعالى . انتهى . رواه أبو داود ، وروى الترمذي نحوه .
والحديث دليل على وقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة ، قبل يوم القيامة ، كما وقعا في الأمم السالفة .
وقال بعضهم : المراد : إن كان ذلك ، فيكون في هذه الفرقة .
والأول أولى; لما ورد الحديث بوقوعهما في آخر الزمان ، ولفظه عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا أنس! إن الناس يمصرون أمصارا ، فإن مصرا منها ، يقال له : البصرة ، فإن أنت مررت بها ، أو دخلتها ، فإياك وسباخها وكلأها [ ص: 154 ] ونخيلها وسوقها وباب أمرائها ، وعليك بضواحيها ، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يبيتون ويصبحون قردة وخنازير» بيض لهذا الحديث في «المشكاة» .
وقال الجزري : رواه أبو داود من طريق لم يجزم به الراوي ، بل قال : لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس ، عن أنس بن مالك . وفي الباب غير ذلك .


