عن - رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبي هريرة - بفتح الدال المشددة؛ أي ملهمون. «لقد كان فيما قبلكم من الأمة محدثون
قال التوربشتي : المحدث في كلامهم: هو الرجل الصادق الظن، وهو في الحقيقة: من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدث به.
« » لم يرد هذا القول مورد التردد؛ فإن أمته -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأمم، وإذا كانوا موجودين في غيرها من الأمم، فبالحري أن يكونوا في هذه الأمة أكثر عددا وأعلى رتبة. وإنما ورد مورد التأكيد والقطع به. ولا يخفى على ذي الفهم محله من [ ص: 408 ] المبالغة كما يقول الرجل: إن يكن لي صديق، فإنه فلان. يريد بذلك اختصاصه بالكمال في صداقته، لا نفي الأصدقاء. كذا في «المرقاة»، ونحوه في «الترجمة» متفق عليه. وفيه بيان فإن يك في أمتي أحد، فإنه عمر ولهذا كان يوافق رأيه الوحي الإلهي في غير موضع. ثم المحدثون -بالفتح- بعده في هذه الأمة إن كانوا، فإنهم المحدثون -بالكسر-؛ لأنهم حملة علوم الرسول، ونخبة العلماء الفحول، وهم في المعنى أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- وإن لم يروه بعين البصر، فقد رأوه بعين البصيرة والخبر. فضيلة الفاروق، وأنه من محدثي الأمة،
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وعن يرفعه: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سعد بن أبي وقاص كلمة استزادة واستنطاق، كذا في «القاموس «إيه يا ابن الخطاب » الفج: الطريق الواسع في الجبلين « «والذي نفسي بيده! ما لقيت الشيطان سالكا فجا قط » متفق عليه. إلا سلك فجا غير فجكوفي حديث آخر: إن الشيطان يفر من ظل عمر». وفيه دليل واضح على أن الروافض شياطين، يفرون من اسمه الشريف، ويسلكون غير فجه. وهذا مشاهد، ونفرتهم عنه وعداوتهم له شيء لا يخفى على أحد، ومخالفتهم لطريقه أوضح من كل واضح.
وعن قال: جابر، عمر : يا خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! فقال لأبي بكر : أما إنك إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أبو بكر «ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر» رواه قال وقال: هذا حديث غريب. الترمذي،
قال في «الترجمة»: وجه التطبيق أن وجوه الخيرية تتعدد وتختلف، فلا منافاة بين كون كل واحد منهما خير الناس. خيرهم من جهة كثرة الثواب، وهذا الوجه يرفع الإشكال من أكثر الأحاديث. فأبو بكر
[ ص: 409 ] وعن -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « عقبة بن عامر » رواه لو كان بعدي نبي، لكان عمر بن الخطاب واستغربه. قال ذلك على طريق الفرض والتقدير، وتستعمل هذه العبارة في محل الاستحالة مبالغة. وكأنه -رضي الله عنه- كان كذلك لكونه ملهما محدثا، فله مناسبة بعالم الوحي. وفيه: غاية فضله على سائر الأمة؛ لأنه تأهل لذلك دون غيره، ولم يمنعه عن بلوغ تلك الرتبة التي لا رتبة فوقها إلا كون النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، لا نبي بعده إلى يوم الدين. الترمذي
وعن قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ابن عمر، متفق عليه. «بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: «العلم».
قالوا: إن العلم صورته المثالية في ذلك العالم هي اللبن، فمن رأى في المنام أنه يشربه فتعبيره العلم الخالص النافع، ووجوه المناسبة بين العلم واللبن كثيرة كما لا يخفى.
قال في «الترجمة»: رأى كاتب الحروف -عفا الله عنه- مرة في النوم: أن جرة من اللبن الطري اللطيف العذب، موضوعة بين يديه، فشربها كلها، والحمد لله. انتهى.
وبالجملة: الحديث دليل على خلافا فضيلة الفاروق من حيث إنه أعطاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فضله، وعلى أن له علما كاملا، للروافض القائلين بقلة علمه، الطاعنين فيه بذلك. وقد كان -رضي الله عنه- من العلم في رتبة عالية حتى جمعت فتاواه في مؤلف مستقل، فلعنة الله على الكاذبين الظالمين.
[ ص: 410 ] وعنه - رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ؛ أي: أجراه وأظهره «إن الله جعل الحق رواه «على لسان عمر وقلبه . وفي رواية الترمذي عن أبي داود : « أبي ذر يقول به إن الله وضع الحق على لسان عمر ». ويزيده إيضاحا حديث : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان علي . رواه عمر في «دلائل النبوة». البيهقي
والسكينة: هي ما تسكن إليه النفوس، وتطمئن به القلوب، وأنه أمر غيبي ألقي على لسانه. ويحتمل أن يكون المراد بها: الملك الذي يلهمه ذلك القول. وعلى كل حال، فهذه الأحاديث تدل على فضله، وتشهد لكون الحق ناطقا على لسانه، وأن لسانه وجنانه موافقان للحق. فقول أهل الباطل فيه بطعن أو جرح، مردود عليهم، مضروب به في وجوههم.
وفي حديث متفق عليه عن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبي سعيد، «بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون علي، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجره»، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: «الدين».
وفي هذا إخبار لصحة دينه -رضي الله عنه- كما في الأحاديث السابقة إخبار بكونه ملهما محدثا عالما ناطقا بالحق والصواب، أهلا للنبوة إن لم تنقطع. فمن قطع نظره عن هذه الصفات العليا التي له، وجازاه بالسب والشتم والطعن في دينه، والغيبة، فهو خاسر الدنيا والدين.
وفي حديث ترفعه: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عائشة رواه «إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. الترمذي،
[ ص: 411 ] وفي حديث بريدة: أخرجه «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر وحسنه وصححه واستغربه. وهذان الحديثان علمان من أعلام النبوة؛ لأنه وقع كما أخبر به الصادق المصدوق. وهذه طوائف الترمذي، الرافضة يفرون منه، ومن سماع اسمه، وذكر فضله، وعلمه، وصدقه، وحقه، وتدينه، وشدته في الأمر. وقد جرت العادة بأن المرء إذا لم يقدر على شيء، أو رجل يريد إيصال الأذية إليه، يفر منه، ويسبه ويلعنه؛ تنفيقا للسخط، وعجزا عن القدرة عليه؛ فالروافض، إذا لم يقدروا عليه -رضي الله عنه- بشيء من ذلك، أظهروا غضبهم عليه بالنيل منه. ولو كان حيا في زمانهم، فلا شك في أنهم يفرون من صورته وشكله فرارا عظيما، ولا يلبثون ساعة في أرضه؛ خوفا منه، كما فرت الشياطين منه عمر كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة [المدثر: 50-51].
وعن -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أبي سعيد الخدري ؛ أي: يرى بعضهم بعضا «إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين ؛ أي: زاد فضلا أو صارا إلى نعيم. رواه في «شرح السنة» وروى نحوه «كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما أبو داود والترمذي والحديث دليل على مزيد فضلهما وشرفهما، حيث صارا من أهل عليين، ولا مرتبة فوقه. فمن أنكر بعد هذا كونهما من أهل الجنة، مع خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حقهما بذلك، فهو جاحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، منكر لخبره. ونعوذ بالله منه. [ ص: 412 ] وأقدم الطوائف في الإنكار عن ذلك: وابن ماجه، الروافض الذين هم شياطين الإنس.
وعن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة رواه ورواه الترمذي، عن ابن ماجه -رضي الله عنه-. علي
قال في «القاموس»: الكهل: من وخطه الشيب؛ أي: خالطه، أو فشا شيبه، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين.
وفي «مجمع البحار»: الكهل: من انتهى شبابه، يقال: اكتهل النبت: تم طوله، وهو من الرجال: من زاد على ثلاثين سنة إلى أربعين، وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى خمسين. وصفهما بالكهولة باعتبار ما كانوا في الدنيا حال هذا الحديث، وإلا، فلا كهل في الجنة، وإذا كانا سيدا الكهول، فأولى أن يكون سيدي الشباب. انتهى.
ولا أعظم من هذا الاستغراق والاستثناء في الدلالة على الفضائل العظمى، والمناقب العليا. فلحا الله قوما خالفوا نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في قبول ما في هذه الأحاديث، ثم يزعمون أنهم في أمته، ومن تابعيه، ولسانهم يكذبهم! فاعتبروا منه يا أولي الأبصار.
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وعمر أبي بكر، رواه «إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي: . الترمذي
هذا الحديث ورد على مثال قوله تعالى مخاطبا للرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فبهداهم اقتده .