ومظانه تحذير الشارع من الشرك ووسائله
وها نحن نقص عليك أدلة في كتاب الله سبحانه، وفي سنة رسوله، فيها المنع مما هو دون هذا بمراحل، وفي بعضها التصريح بأنه شرك، وهو بالنسبة إلى هذا الذي ذكرناه يسير حقير، ثم بعد ذلك نعود إلى الكلام على مسألة السؤال.
فمن ذلك ما أخرجه في "مسنده" بإسناد لا بأس به، عن أحمد عمران بن حصين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا بيده حلقة من صفر فقال: "ما هذه؟" قال: من الواهنة، قال: "انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا، ولو مت وهي عليك ما أفلحت".
[ ص: 53 ] وأخرج أيضا عن مرفوعا: عقبة بن عامر وفي رواية: "من تعلق تميمة، فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة، فلا ودع الله له" "من تعلق تميمة فقد أشرك".
عن ولابن أبي حاتم أنه رأى رجلا في يده خيط للحمى، فقطعه، وتلا: حذيفة: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف: 109].
وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري: أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فأرسل رسولا: "أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت".
وأخرج أحمد، عن وأبو داود، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [يقول]: ابن مسعود، "إن الرقى والتمائم والتولة شرك".
وأخرج أحمد، عن والترمذي، عبد الله بن حكيم مرفوعا: "من تعلق شيئا وكل إليه".
وأخرج عن أحمد رويفع، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رويفع! لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس: أن من عقد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا بريء منه".
فانظر كيف جعل وما ذلك إلا لكونها مظنة لأن يصحبها اعتقاد أن لغير الله تأثيرا في الشفاء من الداء، وفي المحبة والبغضاء، فكيف بمن نادى غير الله، وطلب منه ما لا يطلب إلا من الله، واعتقد استقلاله بالتأثير أو اشتراكه مع الله عز وجل؟!! الرقى والتمائم والتولة شركا،
ومن ذلك ما أخرجه وصححه، عن الترمذي قال: أبي واقد الليثي، اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون [الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم". خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عليها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل:
[ ص: 54 ] فهؤلاء إنما طلبوا أن يجعل لهم شجرة ينوطون بها أسلحتهم كما كانت الجاهلية تفعل ذلك، ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة، أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون من أهل القبور، فأخبرهم -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك بمنزلة الشرك الصريح، وأنه بمنزلة طلب آلهة غير الله تعالى.
ومن ذلك ما أخرجه في "صحيحه" عن مسلم -كرم الله وجهه- قال: علي بن أبي طالب
1- لعن الله من ذبح لغير الله.
2- لعن الله من لعن والديه.
3- لعن الله من آوى محدثا.
4- لعن الله من غير منار الأرض. حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات:
وأخرج عن أحمد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: طارق بن شهاب: "دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب" قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب ولو ذبابة، فقرب ذبابة، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت أقرب لأحد غير الله -عز وجل- فضربوا عنقه، فدخل الجنة".
فانظر وإخباره بدخول من قرب لغير الله النار، وليس في ذلك إلا مجرد كون ذلك مظنة للتعظيم، الذي لا ينبغي إلا لله، فما ظنك بما كان شركا بحتا؟ لعنه -صلى الله عليه وسلم- لمن ذبح لغير الله،
قال بعض أهل العلم: إن إراقة دماء الأنعام عبادة; لأنها إما هدي، أو أضحية، أو نسك، وكذلك ما يذبح للبيع; لأنه مكسب حلال، فهو عبادة.
ويتحصل من ذلك شكل قطعي هو أن إراقة دماء الأنعام عبادة، وكل عبادة [ ص: 55 ] لا تكون إلا لله، فإراقة دماء الأنعام لا تكون إلا لله.
ودليل الكبرى قوله تعالى: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [هود: 50] ، فإياي فاعبدون [العنكبوت: 56] إياك نعبد ، وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [الإسراء: 23] وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .
ومن ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن وقال: الحلف بغير الله، وقال: "من حلف فليحلف بالله، أو ليصمت" أو كما قال. "من حلف بملة غير الإسلام لم يرجع إلى الإسلام سالما"
وسمع رجلا يحلف باللات والعزى، فأمره أن يقول: لا إله إلا الله.
وأخرج وحسنه، الترمذي وصححه، من حديث والحاكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: عمر: "من حلف بغير الله فقد أشرك".
وهذه الأحاديث في دواوين الإسلام، وفيها: أن الحلف بغير الله يخرج به الحالف عن الإسلام، وذلك لكون الحلف بشيء مظنة تعظيمه، فكيف بما كان شركا محضا يتضمن التسوية بين الحالف والمحلوف، في طلب النفع، أو استدفاع الضر؟!!.
وقد يتضمن تعظيم المحلوف زيادة على تعظيم الحالف، كما يفعله كثير من المخذولين، فإنهم يعتقدون أن لأهل القبور من جلب النفع ورفع الضرر ما ليس لله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
فإن أنكرت هذا، فانظر أحوال كثير من هؤلاء المخذولين، فإنك تجدهم كما وصف الله سبحانه: وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون .