الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن جاء والإمام راكع: هل يركع في موضع إن خشي أن تفوته الركعة؟

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: فيمن جاء والإمام راكع: فليركع إن خشي أن يرفع الإمام رأسه إذا كان قريبا يطمع إذا ركع فدب أن يصل إلى الصف. فإن كان بعيدا فركع أن ذلك مجزئ عنه .

                                                                                                                                                                                        وأجاز بعد ذلك أن يركع حيث هو .

                                                                                                                                                                                        واختلف في هذه المسألة في ثلاثة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: في حد القرب الذي يجوز له أن يركع فيه ثم يمشي منه.

                                                                                                                                                                                        والثاني: هل يتمادى إلى الصف وهو في حال ركوعه أو بعد رفعه؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا كان بعيدا هل يصلي في موضعه أو يتمادى إلى الصف وإن فاتته الركعة؟

                                                                                                                                                                                        فأما حد القرب فقيل: قدر ذلك الصفان يمشي فرجتين.

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية: الصفان والثلاثة .

                                                                                                                                                                                        وكل هذا واسع خفيف.

                                                                                                                                                                                        وأما صفة لحوقه بالصف إذا كان قريبا فظاهر الكتاب أنه يدب راكعا ، وقال مالك في سماع أشهب: لا أرى لأحد أن يدب راكعا; لأنه لا يدب راكعا [ ص: 283 ] إلا تجافت يداه عن ركبتيه.

                                                                                                                                                                                        وهذا أحسن; لأن اشتغاله حينئذ بما ينبغي أن يكون عليه في تلك العبادة من خشوع وتسبيح وذكر الله تعالى أفضل; ولأن المشي في حال الركوع مما يستقبح، فكان تأخيره حتى يرفع رأسه أولى.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في العتبية فيمن جاء والإمام راكع وعند باب المسجد قوم يصلون: فليركع معهم ليدرك الركعة، إلا أن يكونوا قلة فليتقدم إلى الفرج أحب إلي .

                                                                                                                                                                                        فرأى أن اللحوق بالصف أولى من لحوق الركعة مع النفر اليسير، فإذا كان ذلك فأحرى ألا يصلي وحده إذا كان على بعد وإن فاتته الركعة.

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن; لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" ، فجعل الإتيان على سكينة أفضل من فوت الركعة، وفضل الصف الأول أفضل من الإتيان بالسكينة; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" . إلا أن يكون في آخر ركعة فليركع; لأنه إن تمادى لم يدرك شيئا. [ ص: 284 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية