الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن أوصى بعتق جنين أمته أو أوصى به لفلان]

                                                                                                                                                                                        ومن أوصى بعتق جنين أمته أو أوصى به لفلان ، جعل في الثلث قيمة الأم; لأن الورثة ممنوعون من التصرف فيها بالبيع ، فإن لم يحملها الثلث ولم يجز الورثة ، فإن كانت الوصية بعتقه جعل في الثلث الأمة وأعتق منها ومن ولدها ما حمل الثلث ، وإن كانت الوصية لرجل قطع له ثلث الميت شائعا; لأن الوصية له معاوضة من الميت أخذ منهم أقل من الثلث ، وهو الجنين ، ووقف عنهم التصرف في الأم ولم يفعل مثل ذلك إذا أوصى بعتقه فتجعل وصية الميت في الثلث شائعا; لأن من شرط الوصية بالعتق أن يحمل ثلث الميت في عين المعتق; لأنه الموصى له ، فلما لم يقدر أن يجعل في الجنين خاصة ، جمع الثلث في الأم والولد لينال من العتق أكثر مما يكون لو كان شائعا ، وهذا قول محمد ، وهو صحيح على قوله إن الأمة لا تباع ، ويستثنى ما في بطنها . وأجاز الليث بن سعد بيع الأمة واستثناء الولد للعتق ، فعلى هذا يجعل في الثلث ما ينقص بيعها مستثناة الولد على بيعها بولدها وإن أوصى بها لرجل وبولدها لآخر جعل في الثلث قيمة الأم على حالها ، فإن حملها الثلث كان لكل واحد [ ص: 3592 ] منهما وصيته ، وإن حمل نصفها كان لهذا نصف الأم ، ولهذا نصف الولد ، وإن أوصى بعتق ما في بطنها وبالأم لآخر ، فحمل الثلث نصفها أعتق من الولد نصفه ، وكان للآخر نصف الأم ، وهذا على القول إن العتق يلحق ما في البطن ، وعلى القول ألا يلحقه العتق يعتق ما ينوبه من الأم ، لينال الولد العتق ، وتسقط وصية الآخر .

                                                                                                                                                                                        واختلف إن أوصى بالولد لرجل ، وبالأم لآخر وأعتق الأم الموصى له بها ، فقال في المدونة : يمضى عتق الأم ويسقط حق الموصى له بالولد . وقال ابن القاسم في كتاب محمد : يوقف عتق الأم حتى تضع فيقوم الولد على معتق الأم فيمضي حينئذ عتق جميعها ، وقال أيضا : يوقف عتقها حتى تضع فيأخذ الموصى له بالولد الولد ، ويمضي عتق الأم بالعقد الأول . وهو أحسن للإجماع على أن عتق الولد لا يسري إلى عتق الأم ، وأنهما في ذلك نفسان ، وليس بمنزلة من أعتق بعض الأم ، وكذلك إذا أعتق الأم لا يعتق الولد بعتقها .

                                                                                                                                                                                        وكذلك لو أوصى بالولد لرجل وأبقى الرقبة للورثة فأعتقها الورثة ، فعلى الخلاف المتقدم . وإن وهب الولد في الصحة ثم أعتق السيد الأمة قبل أن تحاز عنه ، مضى عتق السيد وسقط حق الآخر في الولد ، وإن كان الموهوب له الولد حاز الأم لم يصح عتق السيد في الأم حتى تضع .

                                                                                                                                                                                        ومن أخدم عبده في مرضه رجلا سنة ثم هو حر فلم يقبل الموصى له [ ص: 3593 ] بالخدمة ، رجعت الخدمة للورثة ولم يعتق حتى تتم السنة ، وإن قبلها ثم وهبها العبد أو باعها منه ، كان حرا مكانه ، وقيل : لا يعجل عتقه; لأن رقبته للورثة حتى تتم السنة ، وإن قبل كانت قيمته رقيقا لهم . وقال ابن كنانة فيمن أخدم عبده رجلا حياته ثم هو حر ، فمات المخدم فأراد ورثته أن يتبايعوا الخدمة : لم يجز إلا أن يشتروها ليعجلوا عتقه فأما ليخدمهم فلا ، وهذا صحيح لما لم يكن له إليهم مرجع; لأن مرجعه إلى الحرية . [ ص: 3594 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية