الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن غصب شيئا فغيره عن حاله بصناعة أو صبغ أو بناء أو ما أشبه ذلك

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن غصب ذهبا أو فضة أو نحاسا أو حديدا فصنعه أو حنطة فطحنها، ليس لصاحبها إلا مثلها ، وليس له أن يأخذه، وإن غصبه ثوبا فصبغه أو خاطه كان صاحبه بالخيار بين أن يأخذه ويدفع قيمة الصنعة أو يسلمه ويغرمه قيمته .

                                                                                                                                                                                        وفرق بين ما يقضى فيه بالمثل والقيمة ؛ لأن المثل مقام الأول وكأنه لم يخرج من يده شيء فلم يدخل عليه ضرر والآخر يعطي عينا فعليه فيه إن ألزم أخذ القيمة مضرة.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الموزون والمكيل إذا كان يحرم فيه التفاضل كالذهب والفضة والقمح والشعير وما لا يحرم كالنحاس والحديد والقطن وما أشبه ذلك إذا صنع في أربعة مواضع: [ ص: 5811 ]

                                                                                                                                                                                        أحدها: هل ذلك فوت يمنع من أخذه؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا كان له أخذه هل يغرم للصنعة شيئا؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا كان ذلك عليه هل يغرم قيمة الصنعة أو ما زادت؟

                                                                                                                                                                                        والرابع: إذا لم يرض أن يغرم عن الصنعة ولم يضمن هل يكونان شريكين؟ فقال ابن القاسم: ليس له إلا ما غصب . وقيل: له أن يأخذ ذلك ولا شيء عليه؛ لأن هذه الأشياء ليست كالأعيان القائمة كما لو جصص أو زوق لم يحق له في ذلك شيء، وإن زاد في الثمن وإن بنى لا يعطى إلا قيمة الأنقاض دون التلفيق وما لا يقدر ولم يمكن أن يبين به، وقيل: إن كانت قيمة الصنعة يسيرة أخذه ولا شيء عليه، وإن كان لها قدر وزادت في القيمة لم يأخذه إلا أن يدفع قيمة الصنعة أو يكونا شريكين، وهو قول عبد الملك في المبسوط ، وقيل: إن كان يجوز التفاضل فيه كان له أن يأخذه ويدفع الأجرة، وإن كان يحرم التفاضل فيه رجع بالمثل ولم يأخذه.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: لأني لو أجزت له أخذ الفضة بلا شيء ظلمت السارق، [ ص: 5812 ] وإن قلت للآخر: أعطه قيمة عمله فضة وزيادة فهو ربا .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان له أن يأخذه ويدفع العوض هل يدفع قيمة الصنعة أو ما زادت؟

                                                                                                                                                                                        وأرى إن كانت قيمة الصنعة يسيرة أن يأخذه ولا شيء عليه، وإن كان لها قدر وبال أن يكون بالخيار بين أن يغرمه المثل أو يأخذه ويكون عليه الأقل من قيمة الصنعة أو ما زادت وإن كانت قيمتها أقل لم يظلم بشيء إذا أعطي قيمة صنعته وإن كانت الزيادة أقل قال المغصوب: قد كان لي أصل قيمته عشرة دنانير وهو الذي كنت أبيعه به الآن فليس لك معي إلا ما زادت صنعتك، فإن كره أن يأخذ أو يغرم المثل كانا شريكين، هذا بقيمة المثل، والآخر بقيمة الأقل ، وما يحرم فيه التفاضل وغيره سواء، ويقال للمغصوب: لا يجوز لك إذا اخترت في نفسك أحد الأمرين الأخذ أو تضمين المثل أن تنتقل إلى الآخر؛ لأنه ربا ويوكل في ذلك إلى أمانته، وإن لم تزد الصنعة أخذه ولا شيء عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في المجموعة: لو طحنت الحنطة سويقا ثم لتها جاز أن [ ص: 5813 ] يأخذها فإن الحنطة بالسويق تجوز متفاضلا .

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا طحنت ولم تلت فرضي الغاصب أن يسلمها على ألا يأخذ عن الطحن شيئا أن يجبر ربها على قبولها إذا كانت يسيرة يريدها لذلك لو لم تغصب، وإن كانت كثيرة ويريدها للتجارة أو ليدخرها لم يجبر على قبولها.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد فيمن غصب قمحا فباعه فطحنه المشتري، قال: قد قيل: إن لصاحبه أن يأخذه إن شاء ولا غرم عليه للطحين، وإن شاء تركه وأخذ من الغاصب مثل قمحه أو الثمن، قال محمد: الصواب ألا شيء له إلا الثمن من الغاصب أو القمح ممن شاء منهما.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الغاصب عديما ورجع على المشتري كان المشتري بالخيار إن شاء أعطاه مثل قمحه وإن شاء سلمه إليه دقيقا، ولو كان الغاصب الذي طحنه كان بالخيار إن شاء أخذ الدقيق أو مثل قمحه، قال وإن طحنه المشتري لم يأخذه إلا أن يدفع الأجرة . [ ص: 5814 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية