فصل [فيمن بعث بمال ثم مات الرسول في الطريق أو بعد الوصول وفقدت الوديعة]
واختلف فقال إذا مات الرسول في الطريق أو بعد الوصول فلم توجد الوديعة، وقال المبعوث إليه: لم يصل إلي شيء، في المدونة: إن مات بعد أن وصل فلا ضمان عليه، وإن مات في الطريق فما أحرى أن تكون في ماله . مالك
وفي كتاب محمد عكس هذا، قال: إن مات قبل الوصول لم يضمن، وإن مات بعد الوصول ضمن.
وقال يضمن مات قبل أو بعد. قال في مدونته : لأنه لو كان حيا فقال: دفعتها لم يقبل قوله إلا ببينة، فوجه القول الأول; لأنه في الطريق مودع، وهو يقول في الوديعة إذا مات المودع ولم توجد الوديعة أنها في ماله وبعد الوصول وكيل على الدفع، ومحصوله أنه امتثل ما وكل عليه، وقد يخفى على ورثته من كان أشهد على دفعها فلا يضمن بالشك وليس كالحي يطلب بذلك فيعجز. [ ص: 6000 ] أشهب:
فأما تضمينه إذا مات في الطريق، فيحسن إذا كانت له إقامة بعد قبضها وكانت عينا وكان مثله يتصرف في الوديعة، ولا يحسن إذا كان قبضه لها عند خروجه، أو ليلة مبيته أو كانت عروضا وكانت له إقامة، وسواء مات في الطريق أو بعد الوصول، وليس الشأن أن يتسلف فوجب أن يبقى فيها على الأصل في الأمانات أنها ليست في الذمة.
ومن كانت قبله وديعة فذكر عند موته أنها في موضع كذا فلم توجد هناك كانت مصيبتها من صاحبها لقول الميت: لم أتسلفها. واختلف إذا لم يذكر شيئا حتى مات هل يكون ذلك في ذمته؟ والوديعة ثلاثة: عرض، وعين، ومكيل وموزون، فيحمل العين بعد موت المودع على السلف، وفي العروض على التلف، وفي المكيل والموزون في الحاضرة على التلف، وفي البادية على السلف.
والودائع أمانات ومصيبتها من أربابها، إلا ما قام الدليل على تصرف المودع فيها، فالشأن في العين أنها مما تسرع يد المودع إليها في السلف ويرى مضرة على صاحبه فيه وأن مثله يقوم مقامه فحملوه على الغالب، وهو السلف دون النادر وهو الضياع، إلا من علم منه أنه لا يتسلف فيحمل على عادته إلا أن يعلم أنه نزل به ما يضطره إلى السلف.
وأما العرض فليس العادة تسليفه فيحمل عند عدمه على أنه تلف، إلا أن يعلم من مثل ذلك المودع الاستخفاف وقلة الأمانة فيكون في ذمته، وكذلك المخازن تودع بالحاضرة بالمكيل والموزون، فليس الشأن الافتيات عليها.
وأما أهل القرى فالشأن أن تسرع أيديهم إليه كالعين في الحاضرة، وإذا كان الحكم أن تكون الوديعة في الذمة فإنه يضرب بها مع الغرماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يضرب بها لما كان الضمان مختلفا فيه وأنه إنما يضمن [ ص: 6001 ] بغلبة الظن من غير قطع، في كتاب الشركة نحو هذا، فقال في ولابن القاسم قال: تكون في نصيبه دون شريكه لما كان أمره فيها مشكلا، هل ضاعت أم لا،؟ ولو حمله على التصرف فيها لكانت في جميع المال; لأنه على أحد الأمرين، إما أن يكون تجر فيها فهي في جميع المال أو أنفقها فقد ترك عوضها في المال; لأنه لو لم ينفقها لأنفق من المال. وقال متفاوضين أودع أحدهما وديعة ثم مات في العتبية فيمن مات فوجد في تابوته كيس فيه مال مكتوب عليه لفلان ابن فلان، فإن كانت بخط الميت دفعت إلى من ذكر فيه وإلا لم تدفع إليه . وقال ابن القاسم إن خط صاحب المال على الكيس ووجد في حرز مستودع قضي له به . وأرى أن يلزمه بتعريف ما فيه. [ ص: 6002 ] أصبغ: