الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن بعث معه بمال فقال: أوصلته ولم أجد المبعوث إليه فرددته، فكذبه المبعوث إليه أو ربه

                                                                                                                                                                                        وإن قال: ادفع هذا المال لفلان من دين له علي أو هبة أو صدقة أو ليصرفه عني، فقال بعد ذلك: قد فعلت، وقال الآخر: لم تدفع إلي شيئا، فإن كان المبعوث معه أخذه على أن لا يشهد على الدفع- كان القول قوله مع يمينه، وإن كان المال من دين حلفا جميعا -الرسول والمبعوث إليه- ورجع بالدين، وإن كان هبة أو صدقة حلف الرسول وسقطت الهبة والصدقة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أخذ المال ولم يشترط ذلك على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: إن لم يقم الرسول بينة بالدفع غرم .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: إذا كان الدين يسيرا مثل الثوب والطعام وما لا يؤخذ بمثله براءة- كان القول قول المبعوث معه مع يمينه، وإن كان كثيرا مما يؤخذ بمثله البراءة ضمن إذا لم يشهد.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: القول قول الرسول مع يمينه ولم يفرق بين قليل ولا كثير. وقال في الدين: إن قال: ادفعه لفلان من دين له علي قبل قوله. وإن قال: اقض عني الدين لم يبرأ إلا ببينة، وهذا أحسن مع عدم العادة; لأنه لا يختلف أنه أمين في حين كونه في يده، وفي حين التسليم القول قوله أنه فعل ما ائتمن عليه، وقد قيل في قول الله -عز وجل-: فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم [ ص: 5995 ] [سورة النساء آية: 6] أن ذلك لرفع التنازع، وليس لأنه لا يقبل قوله كما قال: وأشهدوا إذا تبايعتم [سورة البقرة آية: 282] إلا أن تكون العادة الإشهاد فلا يبرأ إلا بذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا قال: ادفعه ليكون وديعة عنده أو ليفرقه على المساكين، فقال: قد فعلت، وقال الآخر: لم يوصل إلي شيء -حلف وغرم الرسول، وإن قال: أوصله وفرقته على المساكين- صدق وبرئ الرسول.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: أوصله وضاع قبل أن أفرقه، هل يصدق ويبرأ الرسول أم لا؟ وقوله أنه مصدق أحسن; لأن الإشهاد خوف جحود المبعوث إليه، فإذا لم يجحده لم يضره ترك الإشهاد، فكذلك ينبغي أن يكون الجواب في الوكيل على قبض الدين إذا صدقه أن يبرأ، وإن كان اختلاف الرسول مع الباعث، فقال: لم أجد المبعوث إليه فرددت المال إليك وأنكره الباعث- كان القول قول الرسول إذا أقبضه بغير بينة، والقول قول الباعث إذا أسلمه ببينة وكان الإشهاد خوف جحوده، وإن كان القصد بالإشهاد أنه صدقة أو هبة لفلان أو ليفرقه على المساكين- كان القول قول الرسول في رده; لأن هذه شهادة على الباعث أنه بتل ذلك لفلان أو للمساكين.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية