الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [الاختلاف في السرقة]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا سرق من المسجد شيئا فذكر محمد عن أشهب أنه لا يقطع إن سرق من بلاطه وحصره وقناديله، وقال أصبغ: تقطع في ذلك كله. وقاسه بمن سرق بابه، ولمالك في كتاب ابن حبيب أنه يقطع في ذلك كله سرقه ليلا أو نهارا، كان على المسجد غلق أو لم يكن وإن لم يخرج به من المسجد قال: وحرزها مواضعها التي جعلت فيها، وروي عن ابن القاسم أنه قال: إن سرق من حصره نهارا لم يقطع، وإن تسور على ذلك ليلا قطع، وذكر عن سحنون أنه قال: إن كان قد خيط بعضها إلى بعض قطع، وإلا لم يقطع.

                                                                                                                                                                                        فأما أشهب فإنه أسقط القطع; لأنه موضع مأذون فيه فأشبه سرقة الضيف من موضع أذن فيه لدخوله، ورأى مالك أن الإذن في ذلك ليس من المالك، وإنما هو شيء أوجبه الحكم وقول ابن القاسم أعدلها أنه إن سرق في حين كونه مغلقا قطع; لأنه لم يؤذن له في دخوله ذلك الوقت، وإنما يغلق ويصان تحفظا من السارق. [ ص: 6077 ]

                                                                                                                                                                                        وأما سحنون فذهب في ذلك إلى ما يخف نقله أو لا يخف لما قال: إذا سرق الضيف من تابوت في الدار. وعلى قوله لا يقطع في القناديل ويقطع في بلاطه. وقال مالك في كتاب محمد فيمن سرق من حلي الكعبة لا يقطع قال: لأن دخوله بإذن . يريد: أن شأنه أن يغلق فمن سرق في وقت فتحه والإذن في دخوله لم يقطع.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: وجعله مثل منازل الناس، ولم يجعله مثل المساجد لو سرق منه في وقت لم يؤذن ولم يفتح قطع . قال: وكذلك كل بيت لا يدخل إلا بإذن، وكذلك بيت القناديل ترفع فيه قناديله وحصره وزيته وزكاة الفطر، فمن دخله بإذن لم يقطع، وإن دخله بغير إذن قطع. وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب: من سرق باب الكعبة قطع . وإن سرق شيئا من بعض المصلين، فإن سرق من كمه أو من شيء معه أو بين يديه، قطع بخلاف الصنيع; لأنه لم يأذن أحدهما للآخر في الكون هناك، والأحكام أوجبت لكل واحد منهم في ذلك حقا، وإن سرق نعلين من جملة النعال لم يقطع; لأنه موضع مأذون فيه وشركة ومؤتمن أن يجعل الآخر نعليه معه وأن يميزه من جملتها فيصير خائنا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية