الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [الزمن الذي يخرج فيه السعاة]

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة ، قال مالك : يبعث السعاة قبل الصيف ، وحين تطلع الثريا ويسير الناس بمواشيهم إلى مياههم ، وعلى ذلك العمل عندنا ؛ لأن في ذلك رفقا بالناس لاجتماعهم على الماء ، وعلى السعاة لاجتماع الناس .

                                                                                                                                                                                        قال في كتاب محمد : ولا يبعث السعاة في عام الجدب حتى يحيا الناس ؛ لأنه يأخذ منهم ما ليس له ثمن ، وإن جلبت لم ينجلب .

                                                                                                                                                                                        قال : وإنما ذلك نظر للمساكين وليس لأهل المواشي ، فإذا حيي الناس في العام المقبل أرسل السعاة ، وأخذوا زكاة العامين .

                                                                                                                                                                                        وروى عنه ابن وهب أنه قال : لا تؤخر الصدقة عند أهلها وإن كانت [ ص: 1065 ] عجافا كلها ، وليأخذ منها . وهذا أحسن إن كانت تنجلب ، أو يكون لها ثمن ما وإن قل ، وإلا أخر ذلك للعام المقبل . فإن هلكت قبل ذلك لم يكن على صاحب الماشية شيء . قيل لمالك : فمن لا يرد عليهم السعاة لبعد المياه التي تجتمع إليها المواشي . فقال : أرى على هؤلاء أن يجلبوا ما وجب عليهم إلى المدينة . فقيل له : إنها ضعاف ويخاف عليها . قال : لا بد من جلبها ، أو يصطلحوا على قيمتها ، ثم قال : لا يسوقونها ولكن يشترون . وما كنت أرى الناس ها هنا إلا يبتاعون ذلك ، وذلك حين ذكر له أنهم يشق عليهم أن يجلبوا ذلك إلى مسيرة عشرين يوما .

                                                                                                                                                                                        قال : وأما الحوائط فلا يكلفوا حمل ما عليهم ، ولا يكلف أحد حمل زكاة ثمرته إلى من يلي أخذها ؛ إنما يأتونهم في حوائطهم ، وكذلك الزرع والماشية .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : وهذا أصوب ، والأصل أن الناس يزكون أموالهم في مواضعها ، وهناك تؤخذ منهم ؛ وقد كانت السعاة والمصدقون يخرجون في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمثل ذلك ، وهو الذي يقتضيه قول الله -عز وجل- : والعاملين عليها [التوبة : 61] ، [ ص: 1066 ] فهم الذين يخرجون لأخذها ، فيعطون الأجر لخروجهم لذلك ، فمن بعد عن السعاة ولم يكن بحضرته فقراء يعطيهم إياها استأجر عليها من يجلبها إلى المدينة ، والإجارة منها . وقال مالك : لا أحب لصاحب الماشية أن تنزل السعاة عنده ولا يعيرهم دوابه ؛ يريد : خيفة التهمة أن يخففوا عنه . قال : وشرب السعاة الماء من منازل أرباب الماشية خفيف . [ ص: 1067 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية