الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في زكاة الماشية المغصوبة وهي بيد الغاصب أو بعد ردها ، وفيمن باع غنما فردت بعيب أو لفلس ، بعد أن زكيت أو قبل أن تزكى

                                                                                                                                                                                        واختلف في الماشية تغصب ثم ترد إلى صاحبها بعد ثلاثة أعوام . فقال ابن القاسم في المدونة : يزكيها لعام واحد ، وقال أيضا : يزكيها للأعوام الثلاثة . وقاله أشهب ، قال : لأنها لم تزل عن ملكه ، وما أخذت السعاة منها أجزأ عنه بخلاف العين تغصب ، وهي بمنزلة الحائط يغصب فيثمر سنين ثم يرد إلى من صار له ، أن عليه صدقة ثمرته . والخلاف في هذا راجع إلى الاختلاف في رد الغلات . فعلى القول : "إن الغلات ترد" يزكي عن السنين الثلاثة ، وهذا الذي قصد إليه أشهب في التفرقة بين غصب العين والماشية والثمرة ؛ لأن العين إذا غصب كان ربحه للغاصب ، والماشية والنخل ترد غلاتها فتجب فيها الزكاة ؛ لأن النماء موجود فيها . وعلى القول : "إن غلات الماشية لا ترد" تصير كالعين ، تغلب على تنميته بتلفه ، أو يكون قد ورثه ولم يعلم به ، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال : هل يستأنف به حولا من يوم يصير إليه ، أو يزكيه لعام واحد ، أو للأعوام كلها ؟ وقد يرجح القول في الماشية ، فيقال : على ربها أن يزكيها لتلك الأعوام ، وإن لم ترد الغلات بخلاف العين ؛ لأن [ ص: 1068 ] الولد يرد معها وهو نماء له قدر وبال ، وهو أعظم نفعا من غلات الصوف واللبن ، ففارق بهذا العين .

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول ابن القاسم في هذه المسألة : "أنه يزكي الماشية لعام واحد" على أنه لم ير على الغاصب رد غلة الماشية ، ولو جعل عليه رد الغلات كلها لزكاها عن تلك الأعوام من غير خلاف . ويختلف إذا زكيت عند الغاصب ثم ردها ، هل يحاسب صاحبها بما أخذ منه الساعي من الزكاة ؟ على القول : إن الغلات للغاصب ؛ لأن صاحبها يقول : لو ردت علي قبل أن يأتيك المصدق لم أزكها ، ولم يكن له أن يأخذها منك لو علم أنها غصب على هذا القول .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية