الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في خرص العنب والنخل ، وكيف إن نقص أو زاد أو أجيح]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا خرص الخارص ثم تبين أنه أخطأ ، وأن في ذلك أكثر أو أقل ، هل يكون ذلك كحكم مضى ، أو يرجع فيه إلى ما تبين ؟ فقال مالك في المدونة : إذا خرص الخارص أربعة أوسق فجد منه خمسة ، أحب إلي أن يؤدي زكاته ؛ لأن الخراص اليوم لا يصيبون . وقال في كتاب محمد : فإن وجد نقصانا فلا يعطيهم . فرأى ذلك عليهم ؛ لأنهم يتهمون ، قال : وإذا زاد على ما خرص ، وكان الخارص من أهل الأمانة والبصر ، لم يكن عليه إلا ما خرص . وعلى قوله هذا إذا وجد نقصانا ، وكان الخارص من أهل الأمانة والبصر ، لم يسعه أن يخرج على ما وجد من النقصان ؛ بل يخرج على ما خرص عليه الخارص . [ ص: 1093 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : إن كان في زمن العدل أخرج على ما خرص عليه زاد أو نقص ، وإن كان في زمن الجور أخرج على ما وجد . وقال ابن نافع : يؤدي زكاة الزائد خرصه عالم أو غير عالم . وعلى قوله لا يؤدي عن زكاة النقص إذا ثبت ذلك ، وهذا أصوب . والأصل الذي فرضه الله سبحانه : أن يخرج زكاة ما يجد ، وإنما جعل الخرص لئلا يحال بينهم وبين الانتفاع بأموالهم ، وليس يوجب أمرا غير ما كان قبل الخرص .

                                                                                                                                                                                        فإن سرقت الثمار بعد الخرص أو أجيحت لم يكن عليه شيء ، وإن أجيح بعضها زكى عن الباقي إن كان فيه خمسة أوسق فأكثر ، فإن كان أقل لم يكن عليه شيء .

                                                                                                                                                                                        وإن تأخر المصدق عنه فعزل ذلك في الجرين فهلك ، فلا شيء عليه ، وإن أدخله بيته ضمن . وقال أشهب في كتاب محمد : إن كان هو الذي يلي إخراج ذلك للمساكين ، ولم يفرط ، فذلك مجزئ عنه من زكاته . وإن لم يكن هو يلي إخراج ذلك للمساكين لم يجزئه ، ولم يكن عليه فيه ضمان ، وعليه زكاة ما بقي إن بقي ما فيه زكاة . قال محمد : قول أشهب هو الذي نحن عليه ؛ قال : ولكن لو حمل ذلك كله إلى منزله بعد انتظار منه ، حين خاف الضيعة لطول انتظاره ، لم يكن عليه ضمان . [ ص: 1094 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : وكذلك إذا كان الجرين غير مأمون فنقله ولم ينتظر المصدق لم يضمن . والقياس إذا نقله ليوقفه حتى يأتي المصدق أن لا ضمان عليه ، وإن كان الجرين مأمونا ، وإنما ضمنه مالك حماية لئلا تضيع الزكاة بإدخال التأويلات فيها ؛ ولأن كثيرا ممن تجب عليهم غير مأمون . [ ص: 1095 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية