باب في طواف الوداع وطواف التطوع
الأصل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : طواف الوداع فكل من خرج من "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" مكة من أهلها أو غيرهم ، من حاج أو معتمر ، ولم يكن خروجه بفور طوافه للإفاضة أو طواف التطوع ، أو من قدم لتجارة أو غيرها ، ولم يكن حج ولا اعتمر ، فخرج أحد ممن تقدم ذكره ، وهو لا يريد الرجوع ، أو يريد ذلك بعد أن يبعد عن مكة- فإنه يطوف عند خروجه .
ومن كان خروجه بفور طوافه من حج أو عمرة ، أو طاف تطوعا ، أو لم يكن بفور ذلك ، وكان سفره إلى الموضع القريب لم يكن عليه طواف . قال في المدونة فيمن خرج للعمرة : إن كان يعتمر من التنعيم أو الجعرانة لم يكن عليه طواف الوداع ، وإن كان يعتمر من الجحفة أو غيرها من المواقيت فإنه يطوف للوداع ، قال مالك : ابن القاسم . طواف الوداع على النساء والصبيان والعبيد وعلى كل أحد
ومن شرطه : أن يكون عند سفره وخروجه من غير تراخ ، فإن اشتغل بعده بالشيء اليسير فلا بأس . قال : إن اشترى بعض جهازه أو طعامه ، فأقام في ذلك ساعة لم يكن عليه إعادة . قال مالك : وإن أقام يوما أو بعض يوم أعاد . وقال ابن القاسم في المبسوط : إن بات ليستأنف كراء ، أو [ ص: 1194 ] ليعد مرفقا لم يعد . ابن الماجشون
وقال في مختصر ما ليس في المختصر : ومن ودع ثم أقام الغد بمكة فهو في سعة أن يخرج . والقول الأول أسعد بالحديث . ولو جاز أن يجتزئ بذلك مع طول الإقامة لأجزأ طواف الإفاضة ؛ لأنه يجزئ عن طواف الوداع إذا خرج بالفور . وأما إن خرج من فوره ، فأقام بذي طوى ؛ فليس عليه أن يعيد . واستحب مالك لمن خرج ، ولم يطف للوداع أن يرجع إن كان قريبا ، ولم يخف فوات أصحابه ، ولا منعا من كريه . فإن خاف ذلك ، وكان قد أبعد ؛ لم يرجع . مالك
وقد رد - رضي الله عنه - رجلا من عمر بن الخطاب مر الظهران لم يطف للوداع .
وإن خرجت ، ولم يحبس عليها كريها ، وإن لم تكن طافت للإفاضة ، فقال حاضت امرأة قبل أن تطوف للوداع : يحبس عليها كريها أقصى ما يحبسها الدم ، ثم تستظهر بثلاث ، ولا يحبس عليها أكثر من ذلك . مالك
قال محمد : اختلف قول في ذلك ، فقال مرة : خمسة عشر يوما . وقال مرة : سبعة عشر يوما ، وتستظهر بيوم أو يومين . وقال مرة : شهرا أو نحوه . وليس هذا بالبين ؛ لأنها إذا جاوزت الخمسة عشر يوما أو سبعة عشر يوما كانت في حكم الطاهر ؛ تصلي وتصوم ، ويأتيها زوجها ، [ ص: 1195 ] وتطوف . وإن كانت تحيض يوما وتطهر يوما طافت يوم طهرها ، وخرجت . وعلى قوله في كتاب مالك محمد : يحبس عليها شهرا يكون الدم لا غاية له ، وتمسك إذا لم يتغير الدم عن حاله الأول من أول ما رأته . وإن أقامت شهرا ، أو لم تكن مستحاضة ، إلا أن يتغير الدم عن حاله إلى الاستحاضة ، قال في المدونة : إن كانت نفساء حبس عليها كريها أكثر ما يحبس النساء الدم من غير سقم .
وقال في كتاب محمد : الحيض من شأن النساء . وأما الحمل فيقول : لو أعلم أنها حامل . وكل هذا فعلى عاداتهم في الأكرية ما بينمكة والمدينة ؛ لأن الرفاق لا تتعذر وهي مارة وراجعة . وأما غير ذلك من السفر إلى مصر والشام فإن للجمال ألا يتأخر ؛ لأنه لا يقدر على أن يتأخر على رفقته ، ولا أن يسافر وحده . ثم يختلف ، هل عليها أن تكري آخر مكانه ، ويفاسخها الكراء .